تابع الحياة الاقتصادية في الحضارة المصرية القديمة
مقدمة
في الموضوع السابق تطرقنا إلى الحياة الاقتصادية في الحضارة الفرعونية، وبدأنا في سرد تلك المقومات التي حبى الله بها مصر، وقد بدأنا بالزراعة، وتناولنا عناصرها ومحاصيلها ومراحلها، ثم ذكرنا الملكية الزراعية ودور الدولة في التنمية الزراعية، وإدارات شئون الزراعة في مصر القديمة، وأخيراً تناولنا الصيد وأنواعه المتعددة في مصر القديمة.
وفي هذه المقالة سنكمل ما توقفنا عنده، وسنبدأ بالمقوم الثاني الأساسي من مقومات الاقتصاد؛ ألا وهي الصناعة.
الصناعة
استثمر المصري القديم الموارد التي حبى الله بها أرض مصر من أخشاب وأحجار ومعادن، وعرف خصائصها وفوائدها، واستطاع أن يصل إلى أفضل استخدامات لهذه الموارد وكيفية تطويرها ونجح في إقامة نهضة صناعية قوية كانت إحدى الركائز الرئيسة التي قامت عليها حضارته.
عناصر الحياة الصناعية
١ - الصانع المصري
كان الصانع المصرى يرث غالباً صناعته عن أبيه وجده، ویورثها لأبنائه من بعده؛ مما ساعد على إتقان هذه الحرف وتطويرها من جيل إلى جيل.
و كان من حق الصانع مزاولة الحرفة التي يريدها، وقد وصلت كفاءة وخبرة بعض العمال إلى حد الإتقان والإعجاز وخاصة بعد أن عرفوا مع الزمن خصائص وأسرار المواد الخام التي يستخدمونها.
وإذا تأملنا الأعمال المتميزة التي تملأ متاحف العالم؛ فإننا لا يسعنا إلا تقدير هؤلاء الحرفيين بما حققوه من إنجازات.
٢ - أهم الصناعات المصرية القديمة
الصناعات الحجرية : تمثل أقدم أنواع الصناعات ؛ مثل صناعة التماثيل والأواني والتوابيت.
الصناعات الفخارية : استخدمت في صناعتها مادة الغرين (الطمي) وصنع منها التماثيل والأواني والطوب للبناء وغيرها.
صناعة الزجاج : سبق المصريون العالم في معرفة صناعة
الزجاج من الرمال البيضاء المنتشرة في صحراء مصر.
الصناعات المعدنية : عرف المصري القديم الذهب، وأظهر براعة منقطعة النظير في استعماله لصنع الحلى والأواني والتوابيت والأقنعة وتيجان الملوك، مثل تابوت الملك توت عنخ آمون، وإلى جانب الذهب عرف معدن الفضة، وكان استخدام الفضة محدوداً.
صناعة الأخشاب : استورد المصري القديم الأخشاب الجيدة من الخارج لعدم توفرها في مصر مثل خشب الأرز من فينيقيا والأبنوس من النوبة، وبلاد بونت؛ لصناعة السفن والأثاث والتوابيت والأبواب وغيرها.
صناعة الورق : كانت صناعة الورق من نبات البردي، وكانت مصر أول من صنعت الورق في العالم، ومن نبات البردی صنعت المراكب الخفيفة والسلال والحبال والحصر والفرش.
الغزل والنسيج : عرف المصري القديم النسيج من نبات الكتان ومن الصوف والحرير، وكانت النساء يقمن بعمليات الغزل بمغازل من الخشب، وعملية النسيج تقوم بأنوال تشبه الأنوال اليدوية في الريف اليوم.
صناعة الجلود : تقدم المصري القديم في فن الدباغة وكان من أهم منتجاتها الأحذية والمقاعد وأغطية الوسائد وأرضية العربات وقرب المياه.
٣ - دور الدولة في تنمية الصناعة
اهتمت الدولة باستخراج المعادن وتوفير الأمن والحماية لبعثات التعدين في الصحراء، وكان الملوك يفخرون بأنهم يعطون العمال حقوقهم، ويمنعون عنهم السخرة، وكانت أجور العمال تصرف على شكل مخصصات عينية.
ثالثاً التجارة
كان لموقع مصر المتميز جغرافياً؛ الأثر الكبير في اتصال مصر بالدول المجاورة، وإقامة علاقات اقتصادية وتجارية معها.
عناصر الحياة التجارية
١ - التجارة الداخلية
نشطت التجارة بين المدن المصرية قديماً، وقامت الأسواق في القرى المختلفة، وكانت المقايضة أساس المبادلات التجارية، وكانت تقوم على الأمانة والثقة المتبادلة بين التجار، لذا لجأ المصري القديم إلى الاسترشاد بالحكم والوصايا الأخلاقية في الممارسات التجارية.
٢ - التجارة الخارجية
حرص ملوك مصر القديمة على إقامة علاقات تجارية مع البلاد المحيطة؛ لتبادل السلع خاصة مع الشام والجنوب في بلاد النوبة شمال السودان حالياً وبلاد بونت (الصومال حاليا) وليبيا، ومع بداية عصر الدولة الحديثة شهدت مصر طفرة حضارية وتجارية غير مسبوقة؛ حيث أصبحت مصر إمبراطورية كبيرة، ووصل النشاط التجاري المصري إلى جزر البحر الأبيض المتوسط.
العلاقات التجارية الخارجية لمصر :
مع الإقليم السوري (فينيقيا)
وأشهر هذه الرحلات التجارية تلك البعثة التي أرسلها الملك سنفرو إلى فينيقيا لاستيراد خشب الأرز في أسطول تجاري يضم أربعين سفينة.
ليبيا
كانت مصر تستورد منها الزيوت خاصة زيت الزيتون وكذلك الماشية.
النوبة
استورد المصريون من النوبة الأبنوس والعاج والذهب، وصدروا إليها الحبوب والكتان المصري والأواني الحجرية والفخارية.
بلاد بونت (الصومال)
أشهر البعثات التجارية إليها بعثة الملكة حتشبسوت إلى بلاد بونت ١٤٩٥ ق.م المكونة من خمس سفن كبرى وقد عاد الأسطول بمحاصيل زراعية نادرة إضافة إلى أخشاب الأبنوس والعاج والبخور والعطور وحيوانات نادرة مثل الزراف والقرود والفهود.
٣ - وسائل النقل
تعددت وسائل النقل البري والبحري في مصر القديمة مما أدى إلى ازدهار التجارة الداخلية والخارجية، ومن أمثلتها :
النقل النهري
من خلال المراكب في النيل التي تنقل البضائع من الشمال إلى الجنوب والعکس.
النقل البحري
من خلال سفن كبيرة تجوب البحار لتنقل البضائع، وتحقق التواصل الحضاري مع الدول المجاورة.
النقل البري
وتتمثل في دواب النقل وزحافات تجرها الثيران لنقل الأحجار وفي الدولة الحديثة ظهرت المركبات التي تجرها الخيول كوسيلة للانتقال.
٤ - دور الدولة في تنمية التجارة
عمل ملوك مصر القديمة على تشجيع التجارة وتوفير المناخ الملائم لنموها من خلال مجموعة من الإنجازات تمثلت فيما یلی :
١ - إقامة تحصينات على حدود مصر؛ لتأمين وتسهيل
التجارة الخارجية.
٢ - إنشاء إدارات خاصة مثل إدارة المحاسبة وإدارة الجمارك والتجارة الخارجية وإدارة القوافل التجارية.
٣ - شق سنوسرت الثالث قناة في صخور الجندل الأول؛ لتمر فيها السفن عند أسوان لتسهيل حركة التجارة مع النوبة.
٤ - ربط البحر المتوسط بالبحر الأحمر عن طريق نهر النيل بقناة سيزوستريس لتسهيل التجارة مع بلاد بونت، وجزر البحر المتوسط (جزیرتی كریت وقبرص).
٥ - وضع القوانين؛ لضبط الأسواق وحماية المعاملات التجارية واستقرارها، ووضع عقوبات صارمة عند التلاعب في الأسواق.
من التشريعات التجارية في عصر الدولة الحديثة :
يحكم بقطع اليد على من يرتكب جريمة التطفيف في الكيل والميزان أو يزيف العقود والأختام أو يقوم بغش المتعاملين معه أو يغير في نصوص السجلات العامة.