الحياة الاقتصادية في الحضارة المصرية القديمة
مقدمة
لقد منح الله مصر العديد من المقومات الاقتصادية، أهمها النيل العظيم، والذي كان أحد عوامل التنمية الاقتصادية في مجال الزراعة، ووهبها موارد من أحجار ومعادن فكانت مقوماً لنهضتها الصناعية من فنون وعمارة، وأنعم عليها بموقع متميز وسواحل بحرية، جعلها مركزاً تجارياً وحضارياً عالمياً؛ ولذلك عرفت منذ فجر التاريخ بأنها أرض الخيرات.
والآن سنتناول جوانب الحياة الاقتصادية في مصر من حيث أركانها المعروفة؛ الزراعة والصناعة والتجارة.
أولاً : الزراعة
يعد النيل العامل الرئيسي في قيام أقدم الحضارات الزراعية في العالم، فقد كانت الزراعة في مصر أساس رخاء البلاد وثروتها وأهم مصادر الدخل بالنسبة للمصري القديم، لذلك ارتبط بالأرض الزراعية وتعلق بها، ودافع عنها في مواجهة كل غاصب، واعتبر وطنه خير الأوطان.
اختراعات زراعية مصرية قديمة
الشادوف : هو فكرة توصل إليها المصري القديم في
عهد الدولة الحديثة؛ كوسيلة لرفع مياه النيل في
المناطق المرتفعة البعيدة عن نطاق الفيضان، ومن
خلاله تمكن من زراعة أكثر من محصول في العام الواحد.
وهي تعبر عن التقدم العلمي عند المصري القديم،
ويتكون من عمود طويل معلق موزون بثقل عند أحد
طرفيه، ومثبت به دلو عند الطرف الآخر، ويمكن له
رفع مائة متر مكعب من المياه في اثنتي عشرة ساعة
وهو ما يكفي لرى مساحة تزيد قليلاً على ثلث فدان.
عناصر الحياه الزراعية
- الفلاح المصری
- مشروعات الری
- المحاصيل الزراعية
- مراحل الزراعة وأدواتها
- الملكية الزراعية
- دور الدولة في التنمية الزراعية
- تربية الحيوان والصيد
١ - الفلاح في مصر القديمة (الفرعونية)
كان الفلاح أقل فئات المجتمع ثروة؛ عانى كثيراً من الظلم والجور فی بعض فترات ضعف الدولة، وخضع لنفوذ الكبراء الذين كانوا يشترون المحصول بثمن قليل فضلاً عن إجباره على القيام ببعض أعمال السخرة.
٢ - مشروعات الري
اعتمدت الزراعة في مصر منذ عصور ما قبل التاريخ
على مياه النيل الذي يغمر الأرض بالفيضان سنوياً، فيمدها بالمياه والغرين (الطمي)؛ وأدرك المصريون أن نهر النيل هو عماد الحياة؛ لذا اهتموا بحفر الترع والقنوات و إقامة الجسور والسدود ومراقبة النيل، وتقدير ارتفاع منسوب مياهه عن طريق مقاییس النيل، وكان لقياس منسوب النيل تأثير على تقدير قيمة الضرائب والمساحات التي يمكن ريها خلال العام.
وكانت حياة الفلاح كداً وكفاحاً فهو في شقاء لصرف مياه النيل عن أرضه إذا زاد فيضانه، وفي شقاء لرفع المياه لتصل لأرضه إذا قل فيضانه.
٣ - المحاصيل الزراعية
تعددت المحاصيل في مصر القديمة وكانت مصر تحقق الاكتفاء الذاتي منها ما عدا فترات الكوارث وقلة الفيضان.
ومن أشهر المحاصيل الزراعية في مصر القديمة الحبوب مثل القمح والشعير ونباتات الألياف كالكتان لصناعة النسيج، بالإضافة إلى أنواع من البقول مثل العدس والترمس والسمسم و الخضراوات مثل البصل والثوم والخس والأشجار المثمرة باختلاف أنواعها مثل البلح والعنب والتين، كما زرعوا نباتات زيتية مثل السمسم لاستخراج الزيت.
وقد كان المصريون القدماء يخزنون الحبوب في الصوامع، وهي أماكن صنعت خصيصاً لحفظ وتجميع الغلال والحبوب، وكانت تبنى على شكل مخروطي له فتحة من أعلى يصعد إليها العمال على سلم لوضع الغلال وفي الأسفل توجد فتحة للحصول عليها وقت الحاجة.
٤ - مراحل الزراعة وأدواتها
كانت الزراعة تمر بعدة مراحل بعد انحسار مياه الفيضان، وهي كالتالي :
١ - العزق
بعد انحسار الفيضان، يجهز الفلاح الأرض لزراعة الحبوب، فيعزق الأرض بالفأس ويحرثها بمحاريث تجرها الثيران.
٢ - البذر والحرث
يضع الفلاح البذور في الأرض ثم يقوم بإخفاءها باستخدام الأغنام لتدوس الحبوب لتدخلها في ثنايا التربة.
٣ - الحصاد
يقوم الفلاح بمراقبة المحصول حتى إذا نضج يبدأ الحصاد بالمنجل ثم يجمعه ويتم تخزينه في الصوامع بعد وزنه وتسجيله.
٥ - الملكية الزراعية
كانت جميع الأراضي الزراعية في مصر القديمة ملكاً للملك (الدولة)، وكان الفلاحون المزارعون للأرض مطالبين بتسليم الجزء الأكبر من محصولهم الزراعي للدولة كضرائب، وكان الفرعون يهدى الجنود المخلصين وكبار الموظفين أراضي زراعية تكون ملكاً لهم ولورثتهم، لذا لم تنعدم الملكية الخاصة للأراضي الزراعية في مصر القديمة.
إضافة إلى ملكية الأوقاف وهي أراض خاصة بالإنفاق على المعابد والمقابر.
٦ - دور الدولة في التنمية الزراعية
ساهمت الحكومة المركزية في تحقيق النهضة الزراعية من خلال إقامة مشروعات للري، وإقامة السدود للحد من آثار الفيضانات وزيادة مساحة الأرض الزراعية لاسيما في الدولة الوسطى.
وقد عرفت مصر الإدارة السليمة الحازمة لمواجهة الأزمات، ووضع استراتيجيات لمواجهة الطوارئ، وقصة يوسف عليه السلام والخطوات التي اتخذها في سنوات الجفاف تدل على ما يجب أن تفعله الإدارة الرشيدة القادرة على إدارة الأزمات، وتشرف الحكومة المركزية على مشروعات الرى وعمليات الزراعة المختلفة من خلال إدارات مختصة بشئون الزراعة.
إدارات شؤون الزراعة
إدارة مسح الأراضي
وتشرف على تحديد مساحات الأراضي ونوعية المحاصيل، وتحديد الضرائب عليها.
إدارة الري
وتشرف على ضبط مياه النيل وتسجيل منسوب مياهه على مدار السنة.
الإدارة المحلية في الأقاليم
وتشرف على ترميم وصيانة القنوات والترع والسدود.
إدارة الزراعة
وتختص بالإشراف واستثمار أراضي الدولة وكيفية إدخال محاصيل جديدة للبلاد.
وللدولة مشروعات عديدة، ساهمت في تطوير الزراعة ومنها مشروع سد اللاهون ؛ حيث كانت الفيوم تقع على شواطئ البحيرة (عرفها اليونان باسم موريس) وكان بحر يوسف كأحد فروع نهر النيل يصب فيها مياهه فكانت تضيع مساحات واسعة من الأراضي في غمر الفيضان، فقام أمنمحات الثالث ببناء سد اللاهون عند مدخل الفيوم بالقرب من قرية اللاهون لمنع الفيضان من إغراق الأراضي وتخزين مياهه للاستفادة منها عندما تدعو الحاجة، وارتبط بهذا المشروع حفر ترع، وعمل مصارف وجسور وزراعة نحو ٢٧ ألف فدان في الإقليم بل وإنشاء مدن جديدة حول البحيرة.
٧ - تربية الحيوان والصيد
اشتهر المصريون عبر التاريخ بحبهم لرعي الحيوان والرفق به، وكان يقوم برعي الماشية طائفة خاصة من الرعاة المحترفين، وكان لمصر ثروة حيوانية كبيرة كانت أكثرها ازدهاراً في الدلتا لتوفر المراعي الطبيعية بها، واحتل البقر المكانة الأولى بين الحيوانات إضافة إلى تربية الأغنام والماعز، ومن الطيور التي عرفوها البط والأوز والدجاج والحمام واعتنوا بتربية النحل.
وكان الفلاح يستفيد من الحيوانات في أعمال الزراعة والنقل وينتفع بصوفها ووبرها وشعرها وجلودها ولحومها.
أنواع الصيد
صيد البر : ويقوم على صيد الحيوانات من الصحراء مثل الغزلان والأسود ولم يهتم المصرى بها لأنها ليست وسيلة لكسب العيش بل كانت رياضة لعلية القوم.
صيد الطيور : مثل صيد السمان والبجع وكانت لا تحتاج مجهوداً كبيراً .
صيد الأسماك : يمثل مصدراً أساسياً من مصادر الغذاء، خاصة للطبقات الفقيرة من النيل والترع والبحيرات.