الحياة السياسية والإدارية في الحضارة المصرية القديمة
مقدمة
أدرك المصريون منذ فجر التاريخ أن أمنهم القومی یكمن في الوحدة السياسية كأمة موحدة تسير وفق نظام ثابت، فكانوا من أوائل الشعوب التي عرفت الوحدة، يحكمها ملك عظیم تتركز في يده السلطة، وآمن الشعب بأن الوحدة هي الطريق الوحيد لبناء وتکوین دولة قوية ونهضة في كافة المجالات، واقتضت طبيعة الحياة في مصر - التي تعتمد على النيل والزراعة - وجود تنظيم إداري وسلطة مركزية قوية، تمثلت في تحقيق الوحدة السياسية، ونظام حکم قوي، وقضاء عادل، وجيش منظم قوي يحمي حدود البلاد، وشرطة تحافظ على الأمن الداخلي، ولنبدأ جولتنا بالوحدة السياسية في البلاد.
أولاً الوحدة السياسية
بعد حياة الترحال في صحراء مصر التي عاشها المصري القديم معتمداً على الصيد، والتقاط الثمار، استقر به الحال على ضفاف النيل، فتعلم الزراعة وربى الحيوانات، وبدأ في إنشاء القرى والمدن، وسرعان ما استقرت وتطورت حياته، فتكونت الأقاليم.
حكومات الأقاليم
هي أقاليم صغيرة يحكم كل منها حاکم ولها معبود وشعار، ومع الوقت بدأت هذه الأقاليم تتوحد بدافع المصلحة المشتركة أو التوسع، مکونة دويلات صغيرة،
ودخل الشعب في محاولات للوحدة بين الشمال والجنوب وانتهت بتحقيق الوحدة الأولى.
الوحدة الأولى ٤٢٤٢ ق.م
استطاعت الدلتا توحيد مصر تحت زعامتها وعاصمتها أون (عين شمس والمطرية حالياً) عام ٤٢٤٢ ق.م، لكنها سرعان ما فشلت، وانقسمت البلاد إلى مملکتین متصارعتين هما مملكتا الشمال والجنوب.
الوحدة التاريخية ٣٢٠٠ ق.م
قامت بين مملكة الشمال والجنوب حروب ونزاعات انتهت بقيام ملوك الوجه القبلي برفع راية الوحدة، وإخضاع الشمال لسلطانهم، وتوحيد شطري مصر على يد الملك نعرمر عام ٣٢٠٠ ق.م، وهكذا كانت الوحدة التاريخية لمصر ثمرة كفاح طويل ساعدت على تحقيقها عوامل عدة.
عوامل تحقيق الوحدة
١ - نهر النيل:
ربط بين القرى والمدن والأقاليم المختلفة.
٢ - انبساط أرض الوادي وامتدادها:
من الشمال إلى الجنوب ساعد على الاتصال والاختلاط.
٣ - خيرات مصر وخصوبة أرضها:
جعلت المصريين يتحدون لاستثمارها ومواجهة الطامعين فيها.
عناصر الحكم
أولاً الملك
اعتنق المصريون فكرة الملكية المقدسة، فكان الفرعون في نظرهم إلهاً على الأرض، يدير شئون المملكة، والذي تتركز في يده كل السلطات.
أهم مهام الملك
١ - يدير السياسة الداخلية من حيث تعيين الوزراء وكبار الموظفين وتفقد المشروعات.
٢ - يدير السياسة الخارجية من إعلان الحرب وقيادة الجيش وعقد المعاهدات.
٣ - صاحب الحق في إصدار المراسيم والقوانين.
ثانياً الوزير
ظهر منصب الوزير في عصر الدولة القديمة، وكان المنصب محصوراً في أسرة الملك لأنهم أهل الثقة، ثم أصبح من يشغلونه أصحاب الكفاءة والعلم ورجاحة العقل.
وفي عصر الدولة الحديثة كان هناك وزيران أحدهما يقيم في طيبة، ويشرف على الوجه القبلى، أما الثاني فكان يقيم في منف، ويشرف على الوجه البحرى ومصر الوسطى ومن أشهر من تولوا الوزارة (إيمحوتب) في عصر الدولة القديمة والوزير (رخميرع) في عصر الدولة الحديثة.
أهم مهام الوزير
- يعد رئيس الإدارة المركزية.
- يساعد الفرعون في إدارة الدولة وتنظيم شئونها.
- يعد كبير القضاة ويرأس المحكمة العليا.
- يسن بعض القوانين بتفويض من الملك.
جرت العادة أن يوجه الملك إلى (الوزير) خطاب التكليف برئاسة الحكومة، ويتضمن مهام الوزير وما يجب تحقيقه؛ اقرأ النص التاريخي التالي لتتعرفه :
خطاب الملك إلى وزيره
من نص « تنصيب الوزير »
( الوزارة ليست حلوة المذاق بل إنها مرة، ولیس الغرض منها أن يتخذ بها الوزير لنفسه عبيداً من الشعب )
( فنجاح الرجل هو أن يعمل حسبما يقال له، وألا يتوانی في إقامة العدل، والناس تنتظر العدل في كل تصرفات الوزير )
( لا تنس أن تحكم بالعدل لأن التحيز يعد طغياناً على الإله )
( عامل من تعرفه معاملة من لا تعرفه، والمقرب من الملك كالبعيد عنه، واعلم أن الأمير الذي يعمل ذلك سيستمر هنا في هذا المكان أياً كان شأنه في الدولة )
ثالثاً الإدارة المركزية
كان الوزير رئيس الإدارة المركزية، والتي تتكون من :
مجلس العشرة الكبار
هو مجلس يختاره الملك ويرأسه الوزير ويتكون من كبار موظفي الدولة، وبعض رؤساء الدواوين وبعض حكام الأقاليم، ودوره الإشراف الكامل على كل مرافق الدولة.
کاتمو أسرار الملك
وهم أشخاص يختارهم الملك ويكونون معاونون شخصيون للملك.
دواوين الحكومة
وهم رؤساء الإدارات العامة، ومنها إدارة الخزانة العامة، وإدارة مخازن الغلال، وإدارة السجلات والمحفوظات، وإدارة الزراعة، وإدارة الأشغال، وإدارة القضاء، وإدارة الصناعة.
كما يوجد داخل الإدارات عدد كبير من الموظفين والكتبة، وكانت الوظائف الكتابية هي أحسن وسيلة يضمن بها الشاب المصري تحقيق مستقبل مشرق له؛ لأنه يضمن له الالتحاق بالسلك الإداري وتولي الوظائف المهمة.
رابعاً : الإدارة المحلية ( حكام الأقاليم )
كانت مصر مقسمة إلى ٤٢ إقليماً على رأس كل إقليم حاكم يعينه الملك، ويشرف عليه الوزير، وكان في بعض الأحيان هذا المنصب وراثياً، وينقسم الإقليم إلى عدة مراكز، والمراكز تنقسم إلى مدن وقرى.
ومع ضعف الدولة تمتع حكام الأقاليم بنفوذ واسع، واستقل بعضهم عن الدولة، ولقد سعت الدولة أيام قوتها للسيطرة على حكام الأقاليم، لأن ذلك يمثل تهديداً للسلطة المركزية؛ لذا قام سنوسرت الثالث بتنظيم إدارة الأقاليم فقضى على نفوذ حكام الأقاليم، وألغى وراثة المنصب، وأنشأ نظاماً جعل الأقاليم خاضعة لسلطة الملك.
حكام الأقاليم
يتحدث أحد حكام الأقاليم عن نفسه ويدعى «أمینی» في
عهد سنوسرت الأول قائلاً :
《 إني لم استعمل القوة مع أحد من الأهالي ولم أظلم ولم أقبض على عامل ما ولم أطرد راعياً ولم يكن هناك رئيس تأذى منه عماله أثناء عمله، ولم يكن هناك فقير ولا جائع في عصری، وعندما حلت سنة المجاعة حرثت جميع أراضي الأقاليم وأبقيت الأهالي وأعطيتهم طعاماً حتي لم يوجد جائع واحد، وعندما عادت الفيضانات عالية وتوفر كل شيء تجاوزت عن متأخرات ضرائب المزارعين).