تابع الحياة السياسية والإدارية في الحضارة المصرية القديمة
مقدمة
في الموضوع السابق ذكرنا الوحدة السياسية في مصر القديمة، وكيف قامت فيها أول وحدة تاريخية بين مملكتيها المتصارعتين (الشمال والجنوب) على يد الملك نعرمر عام ٣٢٠٠ ق.م، ثم تناولنا عوامل تحقيق الوحدة التي أدت إلى هذا التلاحم والتعايش، وبعدها ذكرنا عناصر الحكم من حيث؛ الملك والوزير وأهم مهامهما، والإدارة المركزية، وأخيراً الإدارة المحلية.
وفي هذا الوضوع سنكمل ما بدأناه.
العلاقة بين الحكام والشعب
كان الملك يؤله في حياته، وكانت له هيبة كبيرة وطاعة عمياء.
لكن هذه النظرة بدأت تتغير مع أواخر الدولة القديمة نتيجة الظلم والاضطهاد وقیام أول ثورة اجتماعية في التاريخ، والتي نتج عنها تحول نظام الحكم من ملكية مطلقة إلى ملكية مقيدة يلتزم فيها الفرعون بما يصدره من قوانین.
الثورة الاجتماعية (ثورة الشعب)
قامت الثورة الاجتماعية في أواخر الأسرة السادسة في عهد الملك بيبي الثاني.
أسباب الثورة
تعدت أسباب الثورة ما بين اقتصادية واجتماعية وسياسية ويتضح ذلك على سبيل المثال في ضعف سلطة الملك بیبی الثاني، وزيادة نفوذ حكام الأقاليم والكهنة واستغلالهم لموارد الدولة، وعدم الاهتمام بأمور الرعية
وكثرة المظالم.
أحداث الثورة
رفض الشعب نظام الحكم وفاض به الكيل، وخرج في ثورة عارمة مطالباً بالعدالة الاجتماعية وخرجت الثورة من منف، واشتعلت في مصر كلها رافضين كل ما في
المجتمع من ظلم وفساد، واستمرت البلاد في حالة من الفوضى فترة من الزمن.
نتائج الثورة الإيجابية
خرجت مصر من محنتها أكثر قوة، ورفعت من قيمة الفرد وانتشرت فكرة المساواة.
ظهرت طبقة لم تعتز بحسبها ونسبها ومكانتها بقدر اعتزازها بنفسها واعتمادها على قدرتها العقلية والمادية.
نظر المصريون إلى الملك باعتباره حاكماً يجب أن يرعى مصالحهم ويعبر عن طموحاتهم وآمالهم.
لقد تغيرت علاقة الحكام بالشعب بعد الثورة وبدأ الملوك والوزراء وحكام الأقاليم يتفاخرون بعدالتهم بين الناس وسهرهم على راحتهم ورعايتهم.
《 عليك أن تتحلى بالفضائل حتى يثبت عرشك في الأرض، هدئ من روع الباكي، ولا تظلم الأرملة ولا تحرم إنساناً من ثروة أبيه، ولا تطرد موظفاً من عمله وحقق فيما يقوله الشاكي ولا تكن فظاً بل رحيم القلب، واجعل هدفك حب الناس لك، فمسئولية الحاكم ثقيلة، وارفع من شأن الجيل الجديد فالبلاد ملأى بالشبان واجعل من هؤلاء الشبان أتباعك وامنحهم الممتلكات، ولا ترفع من شأن ابن العظيم على ابن الوضيع بل اتخذ لنفسك الرجل بحسب كفاءته، وكن محايداً في حكمك بين الناس فالكل متساوون.
أقم الحدود وشيد الحصون لأن الجيوش تنفع سيدها، واعلم أن الله يعلم كل شيء وأن فضيلة الرجل المستقيم أحب عنده من الرجل الظالم الذي يقدم قرباناً 》
من وصية الملك خيتي الثالث لولي العهد ابنه مري كارع
خامساً القضاء
يمثل السلطة الثانية، وكانت هناك محكمتان إحداهما في الجنوب والأخرى في الشمال إضافة إلى محاكم الأقاليم وكانت المحاكمات تسير طبقاً للإجراءات القانونية واحترام القانون.
《 لو أن شاكياً من الجنوب أو من الشمال يأتي إليك حاملاً وثائق دعوة، عليك بالنظر في شكواه، والحكم بالعدل، والعمل على إزالة أسباب الشكوى 》
من كلمات الوزير رخميرع
سادساً الجيش
كان المصري القديم يميل للسلم ولا يميل إلى الحرب فهو صاحب حضارة زراعية مستقرة، منحه النيل قدراً كبيراً من الأمن والاستقرار، وظل فترة طويلة يبنى بلده من الداخل وما كان يلجأ للحرب إلا دفاعاً عن النفس.
لم تعرف مصر جيشاً موحداً في البداية بل فرقاً عسكرية تدافع عن الأقاليم والعاصمة، وظهرت بواكير جيش نظامی منذ الأسرة السادسة خاصة في عهد الملك بيبي الأول، حيث خاض الجيش المصرى أول معركة حقيقية في تاريخه، انتصر فيها على القبائل، التي تسكن في فلسطين.
ظهر جيش مصر النظامي في عصر الدولة الحديثة بعد طرد الهكسوس، واتجهت مصر إلى تكوين فرق مجهزة بالأسلحة والتي استطاعت تکوین إمبراطورية مصرية.
استخدم الجيش المصري القديم أسلحة منها : الأقواس والسيوف والفئوس والرماح والدروع والحراب والعجلات الحربية (سلاح الفرسان ).
أخلاق الجيش المصري
كان الجيش المصري يقاتل بضراوة في مواجهة جيوش الأعداء ولكن عندما يتعلق الأمر بالمدنيين أو المنشآت المدنية كان يتعامل بكل تحضر، مدركاً أن قوته ليست فقط في عسکريته، ولكن أيضاً في سلوكه.
يعبر «ونی» قائد الجيش المصرى فى عهد بیبی الأول عن تعامل الجيش مع المدنيين من الأعداء :
《 لم يشاجر أحد منهم، ولم ينهب أحد منهم عجينة الخبز من متجول، ولم يأخذ أحد منهم خبز أي مدينة، ولم يستول أحد منهم من أي شخص على عنزة واحدة 》
صفحات مضيئة من تاريخ الجيش المصري
١ - معركة التحرير ( ١٥٧١ ق.م )
احتل الهكسوس مصر عام ۱۷۳۰ ق.م وأساؤوا معاملة المصريين، وأهانوا معابدهم، فلم يطمئن المصريون لهم، ولم يتعاونوا معهم بل نظروا إليهم نظرة کره واحتقار.
ونتيجة ازدياد الهكسوس في سوء المعاملة هب الشعب المصري تحت قيادة أمراء طيبة، لاسترداد حريتهم المسلوبة من المحتل الغاصب والتي عرفت بحرب التحریر، وقد قادها أحمس وهو في التاسعة عشر من عمره.
٢ - معركة مجدو ( ١٤٧٩ ق.م )
كانت مصر تملك إمبراطورية واسعة تضم أجزاء كبيرة من غرب آسيا وعندما تولى تحتمس الثالث عرش البلاد بدأ أمراء آسيا يخرجون على الحكم المصرى، وكونوا حلفاً سورياً بقيادة أمير قادش، ورأى تحتمس الثالث خطورة ذلك على استقرار الأمن القومي المصري في آسيا فصمم على الحرب، وقاد معركة مجدو.
وكان من أهم نتائجها تأمین حدود مصر الشمالية والشرقية، وتدعيم النفوذ المصري في آسيا وإنشاء روابط اجتماعية وثقافية مع بلاد آسیا.
وقد كان تحتمس بارعاً وذكياً حيث كان يطلب من رؤساء القبائل والأمراء في آسيا أن يبعثوا أبناءهم إلى مصر لينشأوا نشأة مصرية في القصور الملكية حتى يشبوا على حب مصر، والولاء لها والتفاني في خدمتها.
سابعاً الأسطول
عرف المصري القديم الأساطيل البحرية منذ عصر الدولة القديمة فقد أرسل الملك سنفرو أسطولاً بحرياً إلى شواطئ لبنان جلب خشب الأرز.
ويعتبر عصر الدولة الحديثة هو العصر الذهبي للبحرية المصرية؛ لكثرة بناء واستخدام الأساطيل المختلفة وتوسع الدولة في بناء ترسانات السفن على سواحل البحر المتوسط والبحر الأحمر ومجرى نهر النيل.
وترجع أهم المعارك البحرية إلى الملك رمسيس الثالث في عصر الدولة الحديثة، فقد سعت شعوب البحر المتوسط إلى الزحف نحو الشرق، وهددوا حدود مصر من البر والبحر، فواجههم رمسيس الثالث بأسطول بحري ضخم وفاجأ أسطول شعوب البحر المتوسط، فهزمهم وحطم أسطولهم أمام شواطئ الدلتا، وبذلك أنقذ مصر من خطر شعوب البحر المتوسط واستعاد السيطرة على الحدود الشمالية للبلاد.
ثامناً الشرطة
ظهرت الشرطة ككيان مستقل عن الجيش في عصر الدولة الحديثة، لحفظ النظام و إقرار الأمن و إجبار الأفراد على احترام سلطة الدولة، كما تتنوع أجهزتها فهناك الشرطة المحلية والخاصة والنهرية وشرطة المعابد والحرس الملكي، وكان لرجال الشرطة مكانتهم الخاصة بين أفراد الشعب.
من كلمات الحكيم آني
《 اتخذ من شرطی شارعك صديقاً لك، ولا تجعله يثور عليك 》