الحياة الاجتماعية في الحضارة المصرية القديمة
مقدمة
خلق الله الإنسان اجتماعياً بطبعه يميل إلى التعارف والتعايش مع الآخرين منذ اللحظات الأولى فعاش المصري القديم في العصر الحجري على الصيد والالتقاط في مجموعات بشرية قليلة لم تستقر في مكان واحد، وفي العصر الحجري الحديث نزل الوادي واستقر فيه؛ فزادت الروابط الأسرية، ومع تكون القرى والمدن والأقاليم بدأت تتحدد واجباته وحقوقه الاجتماعية وساعد وجود النيل على تحقيق الوحدة والتكامل والترابط بين جميع المصريين.
والآن سنتناول عناصر الحياة الاجتماعية في مصر القديمة.
أولاً طبقات المجتمع
وقد كانت متمثلة في :
- الفرعون وأسرته.
- الوزير وكبار الكهنة وحكام الأقاليم.
- الموظفون والفنانون والحرفيون المهرة.
- عمال الزراعة والصناعة والرعاة والخدم وصغار أصحاب الحرف المختلفة.
ثانياً القوانين والعدالة الاجتماعية
سعی حکام عصر الدولة الوسطى إلى تحقيق العدالة الاجتماعية للشعب، وإعلاء قيمة الفرد وكرامته؛ لذا كان الملوك حريصين على تأکید هذه المعانی فی تعلیماتهم إلى الوزراء.
من أشهر القوانين التي سعت لذلك قوانین حور محب التي وضعت لتحقيق الاستقرار، ولمواجهة ما وقع للفلاح من ظلم، وما تفشی بین الموظفين من فساد.
من قوانين حور محب
- معاقبة من يظلم الفلاحين وما يقوم به موظفو الضرائب من تلاعب.
- معاقبة الذين يقترفون الجرائم في حق الشعب.
- منع القسوة وكثرة العمل على الأرقاء.
ورغم سعي القوانين إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، إلا أن المجتمع المصري كان يعانی مثل بقية المجتمعات من أصحاب المراكز والنفوذ من موظفي الدولة، فكانت بجانب القوانين نصائح حکماء المجتمع لمواجهة الفساد والرشوة والمحسوبية.
ولشعور المصريين القدماء بأهمية العدالة أطلقوا على إحدى آلهتهم اسم (ماعت) وتعني العدل والصدق وكان شعار المحاكم المصرية.
ولم یکن تحقيق العدالة الاجتماعية قائماً على السلطة الحاكمة وحدها بل شارك أبناء المجتمع في مساعدة الآخرين، وسد احتياجاتهم، وهو ما يسمى الآن دور المجتمع المدني في مواجهة مشكلات المجتمع.
ثالثاً الحياة العائلية
١ - الأسرة
كانت الأسرة نواة المجتمع الأول، وقامت على أساس من الحب والود والتعاون، ونظر قدماء المصريين للزواج باعتباره رباطاً مقدساً، ففي الأسرة يشعر الإنسان بالراحة والاستقرار والهدوء، وللزواج تقاليد متعارف عليها من أمثلتها :
- كانت عائلتا العروسين تتقاسمان تكاليف الزواج.
- كانت الاحتفالات والولائم تقام في المناسبات السعيدة.
- كانت الهدايا تقدم للعروسين من الأقارب والأصدقاء.
وبعد الزواج يتقاسم الزوجان المهام والمسئوليات، فكان لكل منهما دور لكي تسير الأمور في سهولة ويسر.
قال الحكيم بتاح حتب عن الواجبات الزوجية :
《 إذا كنت عاقلاً أسس لنفسك داراً وأحبب زوجتك حباً جماً وآتيها طعامها، وزودها بالثياب فهي حقل مثمر لصاحبه، وإياك ومنازعتها ولا تكن شديداً عليها فباللين تستطيع أن تمتلك قلبها 》
٢ - تربية الأطفال
كان قدماء المصريين يعتزون كثيراً بأولادهم حيث كان الأبناء يتشاركون مع آباءهم في أداء الأنشطة المختلفة ومنها الزراعة.
وقد اختلفت طريقة تربية الأطفال باختلاف طبقات المجتمع المصري؛ حيث يتجلى ذلك في :
الأسر الفقيرة
كانت التربية الأولى عن طريق الأم، حيث يتعلم الصبية الصغار الحرفة من آباءهم أو من حرفي خبير، وتشتغل الفتيات في البيت، ويتلقين تدريباتهن بالمنزل على أيدي الأمهات.
الأسر الغنية والطبقة العليا
كانت الأسر الغنية تستأجر مرضعات لأطفالهم، ويبعثون بأبناءهم إلى المدارس التابعة للدولة، أما أبناء الطبقة العليا فكانوا يرسلون أبناءهم أحياناً إلى القصر الملكي ليتربوا مع أبناء الفرعون، وكانت بناتهن يتعلمن بالمنازل.
من أقوال المصريين القدماء
《 يجب عليك ألا تنسى أمك وما فعلته من أجلك فإن نسيتها فلها الحق أن تلومك وإن شكتك إلى الله فسيسمع شكواها 》
٣ - المرأة
ارتفعت مكانة المرأة في مصر القديمة، وتمتعت بالكثير من الحقوق، ومارست المهن المختلفة، وعملت بالسياسة ومن أدوارها :
دورها كأم
حيث كانت تتولى مسئولية كل ما يتعلق بشئون المنزل وتربية أبناءها الصغار.
دورها سياسياً وعسكرياً
حيث تولت بعضهن الحكم مثل الملكة حتشبسوت، وكان لبعضهن دور في بعث الروح الوطنية والمقاومة لتحرير أرض مصر من الهكسوس ومن هؤلاء (تتي شري) جدة أحمس الأول وأمه (إياح حتب).
دورها الديني
تمتعت بمكانة خاصة في عالم المعبودات المصرية مثل إيزيس وكانت بعضهن كاهنات في المعابد.
دورها الاقتصادي
حيث كانت المرأة تخرج إلى الأسواق وتمارس عمليات البيع والشراء، واشتغلت بعض النساء في الصناعات مثل الأغذية والمنسوجات، كما كان لهن حق التملك والتصرف في الممتلكات الخاصة بالبيع أو المنح.
وكان بعض النسوة يعرفن القراءة والكتابة مثل مريت آتون بنت إخناتون التي كانت تعمل كاتبة، وأصبح البعض منهن طبيبات، كما مارست أخريات الموسيقى والغناء.
رابعاً المسكن والأعمال المنزلية
١ - المسكن
كان يبنى في مناطق مرتفعة بعيدة عن الفيضان، وكانت من الطوب اللبن المصنوع من طمي النيل مخلوطاً بالقش والرماد، واستخدم الحجر لإقامة أبواب المنازل وأعمدتها وفرش أرضها واختلفت المساكن في مصر القديمة باختلاف طبقات المجتمع ويظهر ذلك في :
مساكن العامة
والتي كانت تبنى من الطوب اللبني، وقد تميزت بالبساطة حيث تتكون من طابق واحد وحجرة واحدة تتصل بفناء، وكان أثاثها بسيطاً.
مساكن الطبقة الوسطى
كانت أحسن حالاً وأكثر اتساعاً وتتكون أحياناً من طابقين.
مساكن الأغنياء
كانت كبيرة ومتعددة الحجرات، وبها صالة واسعة لاستقبال الضيوف، وبها مخازن للغلال وإسطبلات للحيوانات، وكانت تحيط بها حديقة تزرع فيها الأشجار.
القصر الفرعوني
تميز بالفخامة والاتساع وزينته الزخارف والنقوش الجميلة، والمقاعد متعددة الأشكال والوسائد.
٢ - الأعمال المنزلية
كان المصريون من الشعوب الذواقة للطعام وتنوعت ألوان الطعام من لحوم وأسماك وطيور وخضراوات وفواكه، ولا شك أن نوع الطعام وكميته كان يختلف باختلاف الطبقات.
خامساً الملابس وأدوات الزينة
كانت ملابس المصريين القدماء بسيطة واختلفت الملابس في مصر القديمة باختلاف طبقات المجتمع، ومع ذلك فقد كانت الطبقات الشعبية تقلد زي الطبقات الأعلى منها.
كما صنع المصري القديم ملابسه من الكتان، وكانت ملابس الملوك والأغنياء تصنع من الكتان الرقيق الناعم أو من الحرير المستورد من سوريا، وكانت تطرز بالذهب والفضة والأحجار الكريمة.
ولقد اهتم المصري القديم بالنظافة خاصة نظافة جسده وملابسه كما أحبوا الزينة سواءاً الرجال أو النساء، فلبسوا الخواتم والعقود والأساور، واعتنت المرأة بمظهرها وجمالها.
سادساً الألعاب الترفيهية والاحتفالات
أقبل المصري القديم على الحياة، ونجح في أن يوازن بين العمل الجاد واللهو والمرح، كما حرص على الاستمتاع بمباهج الحياة دون إسراف، من خلال وسائل ترفيه متعددة منها ما يلي :
١ - رياضة الصيد
كان المصري القديم يخرج للصيد مصطحباً أسرته ومعه أدواته ويحرص في عودته على إحضار زهرة اللوتس ليزين بها منزله، وكان الملوك والأمراء يصطحبون معهم الخدم.
من حكم المصري القديم
《 إن من يعمل بالنهار كله لا ينعم بلحظة ممتعة كذلك الذي يقضي يومه كله في اللهو واللعب فإنه لا يجد قوت يومه 》
٢ - الألعاب الرياضية
مارس المصري القديم كثيراً من الألعاب الرياضية منها :
ألعاب المصارعة والتحطيب، وحمل الأثقال والقفز الطويل والكرة والسباحة والتجديف، ومعظم هذه الألعاب جماعية تعتمد على القوة، وتخضع لقواعد خاصة.
كما كان هناك ألعاب تعتمد على الحظ والتفكير منها لعبة تشبه الشطرنج وأخرى على لعبة مربعة تشبه لعبة السيجة المعروفة الآن في الريف المصري.
٣ - الغناء والموسيقى
كان المصريون القدماء يحبون فنون الغناء والموسيقى، وقد بلغت الموسيقى مرحلة ناضجة، وقاموا بتطوير الآلات الموسيقية وارتبطت الموسيقى بالشعر والغناء والترانيم، ومن الآلات الموسيقية المزمار والناي والدفوف والطبول والعود وآلة النفير (البوق) وكانت الأغاني إما فردية أو جماعية، ومنها أغاني ينشدها العمال أثناء العمل في الحقول، وأغاني تنشد أثناء رعي الحيوانات، وأغاني تنشد في المعابد والجنازات.
٤ - الأعياد
تعددت الاحتفالات والأعياد عند المصريين القدماء، وكانت معظم هذه الأعياد قد ظهرت مع العقائد الدينية، وكانت فرصة للعروض الفنية من تمثيل وترتيل وإنشاد وموسيقى ورقص وغناء.
أهم الأعياد
١ - أعياد دينية
كانت تقام في مختلف الأقاليم المصرية وتقام في المعابد احتفالاً بالآلهة كعيد أوزوريس ورع وآمون.
٢ - أعياد قومية
منها عيد الفيضان وعيد البذر وعيد الحصاد.
٣ - أعياد خاصة بالفرعون
كعيد ميلاده وعيد جلوسه على العرش.
٤ - احتفالات الجيش
حيث تقام مواكب النصر والاحتفالات بعودة الجيش منتصراً من حملاته خارج البلاد.