الحياة الثقافية والفنية في مصر القديمة تحت حكم الرومان
مقدمة
وقعت مصر تحت الحكم الروماني عقب معركة أكتيوم البحرية عام ۳۱ قبل الميلاد، ومنذ ذلك التاريخ تحولت مصر إلى ولاية رومانية تحت قيادة أكتافيوس عام ۳۰ قبل الميلاد وأطلق عليه لقب "أغسطس". ولقد تمتعت مصر بمركز خاص ميزها عن بقية ولايات الإمبراطورية الرومانية؛ ويرجع ذلك لأهمية موقع مصر الجغرافي في ملتقى قارات العالم القديم والمتحكم في طرق التجارة آنذاك بالإضافة إلى إمداد روما بالقمح اللازم لإطعام السكان.
وقد ذكرنا في الموضوع السابق أحوال مصر تحت الحكم الروماني، وتطرقنا إلى الحياة الاقتصادية من حيث الزراعة والصناعة والتجارة والضرائب، ثم ذكرنا الحياة السياسية والحياة الاجتماعية، وتطرقنا إلى طبقات المجتمع الروماني في مصر آنذاك، وأخيراً ذكرنا الحياة الدينية من حيث أهم متغير ديني حدث في ذلك الوقت وهو ظهور المسيحية على يد السيد المسيح ثم دخولها مصر على يد القديس مرقس.
وسنكمل في هذا الموضوع ما توقفنا عنده.
حينما دخلت المسيحية مصر، أقبل كثير من المصريين على اعتناقها؛ لأنهم وجدوا فيها مبادئ سامية وخلاصاً لهم من واقعهم المضطرب والقهر والذل الذي كانوا يعانونه تحت الحكم الروماني. ونشأت الرهبنه المسيحية في مصر حيث حاول المسيحيون الابتعاد عن بطش السلطة الحاكمة.
الاضطهاد الروماني للمسيحيين
تعرض السيد المسيح وتلاميذه للاضطهاد الروماني؛ لأن مبادئ المسيحية تخالف الوثنية ورفض المسيحيون تقديس صور الأباطرة الرومان، وبلغ الاضطهاد حده في عهد الإمبراطور «نیرون» الذي أحرق روما واتهم المسيحيين بإحراقها؛ ليبرر اضطهاده لهم واستخدم أبشع الطرق.
أما الإمبراطور دقلديانوس (٢٨٤ : ٣٠٥ للميلاد) فقد أصدر مرسوماً بهدم الكنائس وحرق الكتب المقدسة وإعدام من يتبع التعاليم المسيحية فسمي عهده بعصر الشهداء؛ بسبب ما تعرض له المصريون من حركة اضطهاد مما دفع المسيحيين أن يخلدوا تاريخ شهدائهم فاتخذت الكنيسة القبطية في مصر عام ٢٨٤ للميلاد بداية للتقويم القبطي.
ثم في عام ٣١٣ للميلاد أصدر الإمبراطور قسطنطين مرسوم التسامح مع المسيحيين فيما عرف باسم مرسوم «میلان» والذي أعطى الحرية الدينية للمسيحيين.
ثم أصدر الإمبراطور ثيودوسيوس (۳۸۷ : ٣٩٥ للميلاد) مرسوماً بإلغاء الوثنية والاعتراف بالمسيحية ديانة رسمية للدولة.
أحوال مصر تحت الحكم الروماني
خامساً - الحياة الثقافية
ظلت الإسكندرية مركزاً للعلم والفن خلال العصر الروماني، كما بقيت من أعظم موانئ البحر المتوسط وأعرقها حضارة، وقد احتفظت بشهرتها ومكانتها في عالم الطب، وكذلك ازدهر بها الكثير من العلوم وخاصة الهندسة والميكانيكا والجغرافيا والتاريخ والفلسفة، وكان من أشهر فلاسفة العصر "أفلوطين" وهو مصري من أبناء أسيوط عاش في القرن الثالث الميلادي، أما الدراسات الأدبية فقد اقتصرت على نشر وشرح الأعمال الأدبية القديمة.
وقد قامت المدرسة المسيحية بالإسكندرية بدور فعال في إثراء الحياة الثقافية في مصر، وانتشر الأدب القبطي الذي اتخذ شكل مواعظ تتعلق بالأمور الدينية مثل قصص القديسين وشرح الكتاب المقدس وتراجم شهداء الأقباط، وكان الغرض منها الحث على الفضائل ومكارم الأخلاق.
ولم يدم ازدهار منشآت الإسكندرية الثقافية والعلمية طويلاً، فقد دمر الرومان المدينة عدة مرات بما فيها دار العلم والمكتبة نتيجة لقيام ثورات واضطرابات بها.
سادساً - الحياة الفنية
ظلت الفنون مزدهرة في مصر، ويشهد بذلك ما عثر عليه في مدينة الإسكندرية ولا يزال معروضاً حتى الآن بالمتحف اليوناني الروماني، ويمكن تقسيم الفن حينذاك إلى:
فن الطبقة الحاكمة : ويمثله تماثيل الأباطرة الرومان والنقوش التي زينت بها جدران التوابيت الحجرية.
الفن الشعبي : الذي يتمثل في آلاف التماثيل الصغيرة والأواني الفخارية والحجرية والمعدنية التي تزخر بها المتاحف، كذلك كثر استخدام الفسيفساء في الأرضيات بوجه خاص، وتمثل مناظرها أشخاص وحيوانات منها الحقيقية ومنها الخيالية.
الفن القبطي : وفي ظل المسيحية نشأ فن يعبر عن الدين الجديد في إطار الموروث العميق من الفن المصري والشرقي وقد عرف هذا الفن بالفن القبطي، ويتمثل في الكنائس والأديرة القديمة والتي لا تزال آثارها باقية حتى اليوم وتأثر الفنان القبطي بخصائص الفن المصري القديم في التصوير والرسم التشكيلي والنحت والعمارة.
ومن أمثلة الآثار القبطية في مصر ما يلي :
الكنيسة المعلقة : وتقع في حي مصر القديمة بمحافظة القاهرة.
دير المحرق بأسيوط : ويشتهر باسم دير السيدة العذراء مريم.
دير الأنبا أنطونيوس : ويقع بالقرب من مدينة الزعفرانة بمحافظة البحر الأحمر.
أديرة وادي النطرون : وهي أربعة أديرة تقع بالقرب من دلتا مصر.
المتحف القبطي : ويقع داخل أسوار حصن بابليون ويتسم بالطابع القبطي الممزوج بالتقاليد المصرية القديمة والهلينستية والبيزنطية والإسلامية.
أسباب سقوط الحكم الروماني في مصر
بالرغم من محاولات الإصلاح التي حدثت في عهد الرومان إلا أن الحكم الروماني بصفة عامة قد اتسم بالفساد، وكان من مظاهر هذا الفساد ما يلی :
١ - استبداد الحكام وظلمهم و استنزافهم الاقتصادي لموارد مصر.
٢ - النظام الإقطاعي؛ فقد اعتبروا أرض مصر كلها للإمبراطور يمنح قطعاً منها للمقربين منه أو للمحاربين أو لغيرهم.
٣ - فداحة الضرائب المفروضة على المصريين وتعددها والاستبداد والعنف في وسائل جمعها.
٤ - اعتبار المصريين طبقة أقل تعمل في سبيل إرضاء الطوائف المميزة وعلى رأسهم الرومان والإغريق.
لذلك قاوم المصريون الرومان ودافعوا عن حرياتهم وأخذ هذا الكفاح صور رائعة من الصمود والتحدي تمثلت في قيام ثورات ضدهم وهجرة القرى وترك الحقول لإهمال الزراعة كوسيلة سلمية لمحاربة الرومان، واستمر هذا الوضع حتى جاء الفتح العربي الإسلامي لمصر عام ٦٤١ للميلاد لتدخل مصر عصراً جديداً تحت الحكم الإسلامي الذي تميز بالتسامح الديني واحترام الأديان؛ حيث أصدر «عمرو بن العاص» خطاب أمان للبابا «بنیامین» الذي كان مختفياً بأديرة وادي النطرون ثم صعيد مصر لمدة ثلاثة عشر عاماً من الاضطهاد الروماني، فعاد البابا إلى النشاط الديني، وقد أمر «عمرو بن العاص» باسترداد جميع الكنائس التي استولى عليها الروم خاصة في الإسكندرية.