الحياة الاقتصادية والسياسية في الحضارة الرومانية القديمة
مقدمة
بعد وفاة الإسكندر الأكبر انقسمت الإمبراطورية المقدونية بين ثلاثة من قواده، وأسس «بطلميوس بن لاجوس» دولة البطالمة في مصر، والقائد «سلیوقس» دولة السلوقيين في سوريا والعراق، وبلاد مقدونيا من نصيب «أنتيجونس» وفي تلك الأثناء ظهرت الحضارة الرومانية و بدأت في التطور السياسي لتستكمل مسيرة الحضارة الإنسانية.
تأسست روما عام ٧٥٣ قبل الميلاد، ودخلت في حروب مع جيرانها في شبه الجزيرة الإيطالية، ثم سعت للسيطرة على غرب البحر المتوسط مما أوقعها في حروب طويلة مع مدينة قرطاجة واستمرت لمدة مائة عام فيما عرف باسم الحروب البونية «٢٦٤ : ١٤٦ قبل الميلاد» وانتهت بهزيمة قرطاجة لتسيطر روما على شمال غرب أفريقيا.
ثم دخلت روما في حروب مع مقدونيا انتهت بتدخلها في شئون اليونان، وتحویل مقدونيا إلى ولاية رومانية عام ١٤٨ قبل الميلاد، ومن بعدها بلاد اليونان عام ١٤٦ قبل الميلاد.
وبعدها اتجهت روما إلى الشرق حيث استطاعت مد نفوذها في سوريا وتحويلها إلى ولاية رومانية عام ٦٤ قبل الميلاد.
ثم اتجهت إلى مصر وكانت الصراعات داخل الأسرة البطلمية وضعف حكامها قد أضعفت الدولة حتى تمكن القائد الروماني أكتافيوس من شن حرب على القائد ماركوس أنطونيوس في معركة أكتيوم البحرية عام (۳۱ قبل الميلاد) وتحويل مصر إلى ولاية رومانية بعد الانتصار عليه وعلى الملكة كليوباترا.
وبسقوط سوريا ومصر في أيدي الرومان أصبحت روما سيدة العالم القديم بلا منازع، وأصبح البحر المتوسط بحيرة رومانية تحيط به الإمبراطورية الرومانية من كل الجهات.
أولاً - ملامح الحياة الاقتصادية
نعمت إيطاليا بمساحات أراضي زراعية واسعة و موارد طبيعية و بشرية كبيرة، وعلى هذا النحو ظل الاقتصاد الروماني قائماً على الزراعة والتجارة إلى جانب الصناعة.
١ - الزراعة
كانت الزراعة أساس حياة الرومان، فكانت الملكية الفردية قائمة في روما منذ أقدم العصور، يعمل بها جميع أفراد الأسرة وعبيدها، وقد امتلكت الطبقة الأرستقراطية مساحات واسعة من الأراضي الزراعية، وعمل عندهم أعداد كبيرة من العبيد.
ويعد محصول القمح أهم المحاصيل الزراعية لدى الرومان، وإلى جانب القمح تأتي بساتين الزيتون وكروم العنب والفاكهة والبقول وبالنسبة للحيوانات كانت الخنازير والأبقار والأغنام تربی من أجل ألبانها وأصوافها وجلودها.
٢ - الصناعة
كانت الصناعة أقل نسبياً من الزراعة من حيث أهميتها، وكانت الصناعات الكبيرة في روما القديمة تتمثل في:
أ - التعدين : استخدمت المناجم لاستخراج المعادن التي استخدمت في صناعة الأدوات والأسلحة.
كما تم استخراج كميات كبيرة من الذهب والفضة والتي تستخدم في صناعة العملة والمجوهرات.
وتم استخدام الحديد والرصاص والقصدير في صناعة الأسلحة.
ب - المحاجر : وفرت المحاجر الحجارة لبناء المشروعات المختلفة.
ج - الفخار : أنشأت روما مصانع صغيرة من أجل صناعة الفخار بجانب الصناعات اليدوية.
د - صناعات أخرى : تمثلت في صناعة النسيج والصباغة وصناعة الطوب والنجارة.
ثالثاً - التجارة
كانت التجارة في روما في العصر الملکی قاصرة على تبادل البضائع والسلع بين الأقاليم الرومانية، ومنذ أن بدأ عهد الإمبراطورية الرومانية على يد أغسطس ازداد النشاط التجاري ويرجع ذلك لعدة أسباب هي :
١ - هيمنة الإدارة المركزية في روما على الإمبراطورية في الداخل والخارج.
٢ - تأمين الملاحة البحرية بفضل قوة الأسطول
الرومانی.
٣ - فتح أسواق جديدة في إفريقيا وأسبانيا.
إعطاء الفرصة لقرطاجة لممارسة نشاطها التجاري من جديد.
وهكذا أصبح البحر المتوسط طريقاً داخلياً للربط بين الولايات الرومانية، وكانت السفن التجارية الرومانية متقدمة بشكل كبير عن السفن اليونانية.
ومن حيث النقود فقد اهتم الرومان بتوفير العملات النقدية الخاصة بهم، لتسهيل المعاملات التجارية، وكانت تصنع من الفضة والذهب والبرونز.
ثانياً - الحياة السياسية
كانت روما هي عاصمة الإمبراطورية التي نشأت في إيطاليا، ومرت بثلاث أنظمة سياسية هي: النظام الملکي - النظام الجمهوري - النظام الإمبراطوری.
١ - النظام الملكي (٧٥٣ - ٥١٠ قبل الميلاد)
تأسست روما منذ عام ٧٥٣ قبل الميلاد على النظام الملکی وقد كان متمثلاً في :
الملك : بيده السلطة العليا في الشئون الدينية والقضائية والسياسية والعسكرية ويحكم مدى الحياة.
مجلس الشيوخ (السناتو) : يتكون من ۳۰۰ عضو من الطبقة الأرستقراطية ويعتبر استشارياً للملك.
جمعية الأحياء : حيث كان الشعب الروماني ينقسم إلى ثلاثين حياً هي أقسام روما، ثم اندمجت هذه الأحياء لتصبح ثلاثة، وتعد هذه الجمعية كمجلس شعبي يجتمع بأمر من الملك لمناقشة أمور تهم الشعب.
وكما حدث في اليونان، فقد قرر الأرستقراطيون سلب الملك سلطاته وتوزيعها عليهم وبالفعل أسقطوا النظام الملکی عام ٥١٠ قبل الميلاد وأعلنوا النظام الجمهوري.
٢ - النظام الجمهوري (٥١٠ - ٢٧ قبل الميلاد)
قام هذا النظام بعد الثورة على الملك «تارکوینوس»؛ لعدم إحساسه بمعاناة شعبه وتعديه على التقاليد الرومانية وتمثل هذا النظام فيما يلي:
القنصلان : هما اثنان من الحكام ينتخبان سنوياً، ولمدة عام واحد يتم اختيارهما بالانتخاب المباشر بواسطة الشعب.
مجلس الشيوخ : يتكون من ۳۰۰ عضو من الأرستقراطيين ويدير شئون البلاد السياسية والتشريعية والاقتصادية والعسكرية.
جمعية القبائل : تعد تطوراً للجمعية الشعبية، وتنعقد بناءاً على دعوة أحد نقباء العامة.
نقباء العامة : هم همزة الوصل بين الدولة والعامة، بحيث يحملون لحكام المدينة مشاكل العامة ويبلغون العامة بأوامر الحكومة.
ديمقراطية روما
على الرغم من منح العامة في النظام الجمهوری بروما حقوقاً كفلت لهم المساواة قانوناً مع الأشراف، إلا أنها كانت مساواة شكلية، حيث كان العامة يميلون إلى انتخاب مرشحين ينتمون لأسر من الأشراف وبالتالي استولوا على جميع المناصب ولم يكن العامة نصيب منها وهكذا لم يكن النظام الجمهوري في روما ديمقراطياً بمعنی الكلمة، وإنما ظل في الواقع نظاماً أرستقراطياً.