ملامح الحياة الاجتماعية والدينية والثقافية والفنية لبلاد الرومان القديمة
مقدمة
بعد وفاة «الإسكندر الأكبر» انقسمت الإمبراطورية المقدونية بين ثلاثة من قواده، وأسس «بطلميوس بن لاجوس» دولة البطالمة في مصر والقائد «سلیوقس» دولة السلوقيين في سوريا والعراق وبلاد مقدونيا من نصيب «أنتيجونس»، وفي تلك الأثناء ظهرت الحضارة الرومانية و بدأت في التطور السياسي لتستكمل مسيرة الحضارة الإنسانية.
وقد ذكرنا في الموضوع السابق كيف تأسست روما وكيف كانت جوانب الحياة فيها مثل الحياة الاقتصادية بفروعها الثلاثة من حيث؛ الزراعة والصناعة والتجارة، ثم تطرقنا إلى الحياة السياسية، وفصلنا فيها النظام الملكي والنظام الجمهوري، وأخيراً ذكرنا ديمقراطية روما. وفي هذا الموضوع سنكمل الحياة السياسية عند الرومان وبالتحديد النظام الإمبراطوري.
٣ - النظام الإمبراطوري
يبدأ هذا العصر من عام ۳۱ قبل الميلاد بسيطرة القائد أكتافيوس على مصر، وفي عام ۲۷ قبل الميلاد منح مجلس الشيوخ لقب «أغسطس» للقائد أكتافيوس وبذلك بدأ عصر الإمبراطورية الرومانية في النمو والظهور، وأدرك أغسطس أن أمن روما القومی یكمن في :
إنهاء الانقسامات بين القادة العسكريين الرومان والتفافهم حوله.
إعادة الأمن في ربوع الإمبراطورية الرومانية.
المحافظة على أملاك الإمبراطورية الرومانية في الشمال والشرق.
تحقيق العدالة الاجتماعية للمواطنين الرومان.
التأييد الشعبي
حرص أكتافيوس على ضرورة التأييد الشعبي المستمر لكل خطواته لدرجة أنه ابتدع أخطر وسيلة دعائية في التاريخ القديم، وهي إصدار جريدة يومية لإخبار الشعب الروماني بما يريده هو، واستطاع بنجاح أن يمثل عليهم دور خادمهم المطيع المتواضع وهو في الحقيقة سيدهم.
وفي عام ٣٩٥ للميلاد قسمت الإمبراطورية الرومانية إلى قسمين كبيرين هما : الإمبراطورية الرومانية الغربية وعاصمتها روما، والإمبراطورية الرومانية الشرقية وعاصمتها القسطنطينية، وقد قضى البربر على الإمبراطورية الرومانية الغربية سنة ٤٧٦ للميلاد وبالتالي سقطت آخر حضارات العالم القديم، أما الإمبراطورية الرومانية الشرقية والتي عرفت باسم الدولة البيزنطية فقد استمرت بعد سقوط روما لمدة تقترب من الألف عام، وقد انتهت من الوجود باستيلاء السلطان العثماني محمد الفاتح على مدينة القسطنطينية سنة (١٤٥٣) للميلاد.
ثالثاً - الحياة الاجتماعية
كان المجتمع الرومانی يتكون من عدة طبقات كالتالي :
الأشراف : وهي الطبقة الثرية التي تمتلك السلطة والمال وبحوزتهم أراضي زراعية شاسعة ولهم كافة الحقوق السياسية ومنهم الفرسان وهم كبار رجال الجيش.
التجار والحرفيون : ويشكلون جزءاً كبيراً من المجتمع الروماني، وقد عاشوا حياة اقتصادية صعبة، وتضرروا من كثرة حروب روما.
العامة والمزارعون : وقد اشتركوا مع طبقة التجار والحرفيين في الصراع السلمي مع الأشراف؛ لنيل حقوقهم السياسية والاجتماعية وحققوا إنجازات كبيرة في ذلك.
العبيد : وهم أسرى الحرب الذين فقدوا كافة حقوقهم الاجتماعية والسياسية، وشكلوا أزمة حقيقية داخل المجتمع.
من أقوال فرجيل أحد شعراء الرومان
《 إننا شعب شديد المراس، نحمل أطفالنا إلى الأنهار ونعودهم قوة الاحتمال في المياه الثلجية القارصة وهم في الصبا، يقضون الليالي ساهرين على الصيد ويقطعون أخشاب الغابات، وریاضتهم هي كبح جماح الجياد، وقذف النبال بالقوس فإذا بلغوا سن الشباب، يزداد جلدهم على المشاق واحتمالهم للضنك فيسحرون الأرض بمعاولهم أو يهزون المدائن في الحروب 》
رابعاً - الحياة الدينية
تمثلت الحياة الدينية في عبادة بعض المعبودات والأباطرة.
١ - معبودات الرومان
تعددت معبودات الرومان، وأهمها "جوبيتر" الذي يمثل السماء الصافية، وهو كبير المعبودات عند الرومان كما تميز الرومان بظاهرة تسامحهم الديني مع المعبودات الأجنبية والسماح بإقامة المعابد لها في روما مثل إيزيس وأوزوريس عند المصريين.
كما انتشرت عبادة الأباطرة، مثل أغسطس وتیبریوس، وسرعان ما سقطت هذه العبادة بعد انتشار الديانة المسيحية.
٢ - الكهنة
لم يكن للكهنة طبقة مميزة عن غيرهم من الطبقات الاجتماعية، ولا تتطلب وظيفتهم إعداداً خاصاً أو تمريناً وممارسة، وهو دليل على مدى ارتباط الدين بالدولة.
خامساً - الحياة الثقافية والعلمية
استخدم الرومان اللغة اللاتينية وجعلوها اللغة الرسمية، ومن ثم انتشرت في بقية أنحاء روما نتيجة التوسع الروماني.
وقد ازدهر الشعر في عصر أغسطس بوجه خاص، الذي عاش في زمنه الشاعر "فرجیل" أعظم شعراء الرومان، وهو الذي خلد قصة تأسيس روما.
كما كان هناك بعض المؤرخين من أصل رومانی، وصنفوا ضمن مؤرخي اليونان؛ لأنهم كتبوا التاريخ باليونانية مثل سترابون.
أشهر المؤرخین
إينوس : يلقب بأبی التاریخ الرومانی، وقد کتب حوليات لملوك روما وحكامها.
كاتو الرقيب : أول مؤرخ رومانی کتب بالنثر اللاتینی، ومن مؤلفاته المهمة عن التاريخ "الأصول" ويتحدث عن تأسیس مدينة روما.
سادساً - الحياة الفنية
١ - العمارة
بلغ الرومان في العمارة درجة كبيرة من التقدم، حتى أصبح فن العمارة الروماني هو أهم مظهر فنی للدولة الرومانية وجاء مزيجاً من العمارة اليونانية والمصرية، والبقايا الأثرية حتى الآن تبرز مدى التفاعل الحضاري بين الحضارات، وقد أنشأ الرومان أكثر المدن روعة في التاريخ وهي مدينة روما، وما تميزت به من منشآت ضخمة كالمعابد والقصور والحمامات وأقواس النصر.
٢ - النحت
من أهم ما يميز فن النحت الروماني واقعيته الشديدة خاصة في نحت التماثيل الشخصية، مثل رأس قيصر المصنوع من حجر البازلت وتمثال «بومبی».
كان من أهم ما تفوق فيه الرومان النقوش البارزة على الجدران والأعمدة، ويستخدمون هذه النقوش کزخارف وزينة ومن أمثلتها :
١ - نقوش عمود تراجان.
٢ - زخارف الصلصال المحروق على جدران المعابد، وقد تجلى في نحتهم دقة العمل والتعبير عن الشعور.
٣ - ومن روائع فن النحت الروماني أيضاً النقوش الموجودة على أقواس النصر التي كانت تقام تخليداً لانتصارات القادة العظام والأباطرة، وأجملها قوس الإمبراطور "تيتوس".
٣ - التصوير الروماني
انتقل فن التصوير الإغريقي إلى روما بانتقال الرسامين الإغريق إلى روما عاصمة الإمبراطورية.
وقد ازدهر فن التصوير القديم (الرسم) وازداد انتشاراً عند الرومان لحاجة المسكن الروماني إلى تجميل حوائطه من الداخل، واستخدم النبلاء الرومان المصورين الإغريق فی تزیین جدران قصورهم بالرسوم الملونة لتنقل الطبيعة والحياة من خارج المسكن إلى داخله، كما اهتموا بزخرفة أرضيات الحجرات بلوحات من الفسيفساء الملون التي تحمل مناظر معبرة.