ملامح من تاريخ مصر القديمة تحت حكم البطالمة
مقدمة
بعد الانتصارات التي حققها الإسكندر الأكبر على الفرس في آسيا الصغرى وسوريا وفلسطين، جعل من مصر هدفاً له لاستكمال إخضاع الولايات الفارسية لحكمه؛ وذلك في سبيل تكوين الإمبراطورية المقدونية، ثم تقدم بجيشه إلى مصر ونجح في السيطرة عليها دون قتال عام ۳۳۲ قبل الميلاد.
وقد ذكرنا في الموضوع السابق ما فعله الإسكندر الأكبر لإرضاء المصريين، وأهم الأعمال التي فعلها في مصر؛ وهي بناء الإسكندرية، ثم تناولنا تأسيس دولة البطالمة في مصر بعد وفاة الإسكندر، وأخيراً جوانب الحضارة الهلينستية من حيث الزراعة والصناعة والتجارة.
ثانياً - الحياة السياسية
نظام الحكم
حكم البطالمة مصر من خلال الحكم الملكي الذي ورثوه عن الملوك الفراعنة، القائم على حق الملك في تملك كل شيء في مصر، وله كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والدينية، ويساعده في الحكم وزير المالية، وكبير القضاة، وقد مر نظام الحكم بمرحلتين.
المراحل التاريخية لدولة البطالمة في مصر (٣٢٣ - ۳۰ قبل الميلاد)
المرحلة الأولى هي مرحلة القوة والازدهار وملوكها هم:
١ - بطلميوس الأول (٣٢٣ - ٢٨٤ قبل الميلاد)
ينتمي إلى إحدى العائلات المقدونية النبيلة، دخل في حروب عديدة من أجل توطيد حكمه في مصر حتى أعلن نفسه ملكاً عليها عام ٣٠٥ قبل الميلاد، وكون إمبراطورية بطلمية مركزها مصر ووضع أسس النظم الإدارية والمالية في مصر ولقب بالمنقذ.
٢ - بطلميوس الثانى (٢٨٤ - ٢٤٦ قبل الميلاد)
هو ابن بطلميوس الأول، تولى العرش بعد وفاة أبيه، أحدث نهضة كبيرة في شتى المجالات الاقتصادية والثقافية حتی أصبحت مصر إمبراطورية كبيرة في عهده، وشهد عهده توجهاً كبيراً نحو شبه الجزيرة العربية والبحر الأحمر وإفريقيا لأهداف اقتصادية وعسكرية وسياسية.
٣ - بطلميوس الثالث (٢٤٦ - ٢٢١ قبل الميلاد)
خلف والده، وكان يتمتع بصفات حميدة، حتى لقب بالخير أو الصالح؛ لأنه أمر بإسقاط الضرائب المفروضة على الأهالي وفتح صوامع الغلال الحكومية لهم حينما انخفض منسوب فيضان النيل عن مستواه، وكان محباً للعلم والثقافة.
المرحلة الثانية هي مرحلة الضعف والانهيار ومن أشهر ملوكها :
١ - بطلميوس الرابع (٢٢١ - ٢٠٥ قبل الميلاد)
يعد عهد بطلميوس الرابع بداية لمرحلة من التدهور لحكم البطالمة.
٢ - بطلميوس الخامس (٢٠٣ - ۱۸۰ قبل الميلاد)
توفی بطلميوس الرابع، وترك طفلاً لم يتجاوز عمره السابعة، وانفرد "أجاثوکلیس" بالوصاية على الملك الصغير الذي أدار البلاد من أجل تحقيق مصالحه الشخصية، فانهارت البلاد سياسياً واقتصادياً، وفقدت معظم أملاكها الخارجية.
٣ - كليوباترا السابعة
وهي آخر ملوك البطالمة تولت العرش مع أخيها بطلميوس الثالث عشر وقد غرق أثناء حرب الإسكندرية، فأجلسها يوليوس قيصر بجوار أخيها الأصغر بطلميوس الرابع عشر، ولكن سرعان ما تخلصت منه؛ لتجلس ابنها من زوجها يوليوس قيصر معها على العرش ليكون ملکاً على مصر، كما كانت تخطط لتصبح ملكة على روما.
تحالفت كليوباترا مع مارکوس أنطونيوس الذي تزوجته بعد ذلك، ثم انتحر بعد هزيمته في معركة (أكتيوم البحرية) عام ۳۱ قبل الميلاد، وعندما علمت كليوباترا أن الحكم البطلمي قد انتهى قررت الانتحار عام ۳۰ قبل الميلاد، وأصبحت مصر تحت الحكم الرومانی.
ثالثاً - الحياة الاجتماعية
كان الهدف الذي يرمي إليه البطالمة، هو إقامة دولة تستند على أسس شرقية مع إضفاء الصبغة اليونانية عليها، فحرصوا على الظهور أمام رعایاهم من المصريين في مظهر الحكام الوطنيين، وفي الوقت نفسه فتحوا أبواب البلاد على مصراعيها أمام الأجانب، وعلى وجه الخصوص المقدونيين والإغريق، ليعتمدوا عليهم في تكوين دولة بطلمية حديثة كأعوان مخلصين لهم لما يتوافر لديهم من رؤوس أموال وخبرات بأحدث الأساليب الاقتصادية ونظم التجارة العصرية.
وتنقسم طبقات المجتمع آنذاك إلى عدة طبقات :
١ - المقدونيون واليونانيون : شجع البطالمة المقدونيين واليونانيين على الاستقرار في مصر واختصوهم بالوظائف العليا، وأغدقوا عليهم الهبات والمنح.
٢ - يهود الإسكندرية : وكانوا يكونون جالية كبيرة في الإسكندرية، وكانوا يشتغلون بالتجارة والأعمال المصرفية والإقراض، ولهم وضع اجتماعی متميز.
٣ - المصريون : وهم أهل البلاد والأغلبية الساحقة وعماد الاقتصاد باعتبارهم الأيدي العاملة، وكان اليونانيون يعاملون المصريين معاملة تتسم بالتعالي، ولكن منذ عهد الملك بطلميوس الرابع تغير الوضع قليلاً، وأخذت الدولة في إفساح المجال أمام المصريين لتولي وظائف أعلى فأقبل المصريون على تعلم اللغة اليونانية، كما تشكلت منهم فئة المحاربين، وقد شغلوا بعض الوظائف في الجهاز الإداري.
رابعاً - الحياة الدينية
أدرك البطالة أهمية العقيدة الدينية في حياة المصريين لذلك اتسمت سیاستهم الدينية بشكل عام بالتسامح الدینی وحرصوا على إظهار احترامهم للديانة المصرية، وقد بادر بطلميوس الأول بتقديم القرابين للآلهة المصرية فور دخوله مصر كما فعل الإسكندر الأكبر، وقام بإعادة تماثيل الآلهة المصرية التي كان الفرس قد استولوا عليها أثناء احتلالهم مصر.
كما اهتموا بإنشاء العديد من المعابد المصرية، التي لا يزال البعض منها شامخاً حتى يومنا هذا مثل معبد إدفو ومعابد فيلة، وهی معابد تقع جميعها في صعيد مصر، والملاحظ أن هذه المعابد بنيت على الطراز المصرى، وصور البطالمة أنفسهم بملابس الملوك الفراعنة يقدمون القرابين للآلهة المصرية.
وقد تأثر اليونانيون في مصر بالعبادات المصرية، وأخذوا يشبهون الآلهة المصرية بآلهتهم.
خامساً - الحياة الثقافية والعلمية
أظهر البطالمة اهتماماً كبيراً بالعلم، مما جعل الإسكندرية تحتل مركز الصدارة وتتفوق على أثينا، ومما لا شك فيه أن إنشاء دار العلم بجامعة الإسكندرية والمكتبة، كان له أبعد الأثر في اجتذاب العلماء والدارسين من شتى أرجاء العالم في مختلف العلوم ومنها :
الفلك
خطا علم الفلك خطوات واسعة على يد "أريستارخوس" الرياضي، لأنه أول من قام بدراسات نسبية لأحجام الشمس والقمر والأرض.
الرياضيات
بلغت دار العلم بالإسكندرية شأناً کبیراً، واشتهر من علمائها «إقليدس» الذي وضع كتاب الأصول في مجال الهندسة الرياضية، كما عرف «أرشميدس» صاحب قانون الطفو.
الطب
برع علماء الإسكندرية في التشريح والجراحة، كما ساعد وجود حديقة الحيوان التي أقامها "بطلميوس الثاني" على تطور علم الحيوان، وكان من أبرز علماء الطب والتشريح في العالم "هيروفيلوس" الذي كشف الدورة الدموية، وكان يستخدم أداة بديعة لقياس سرعة النبض.
الجغرافيا
بفضل تشجيع البطالمة اهتمت جامعة الإسكندرية بالجغرافيا؛ حيث توصل علماؤها إلى الكثير من الحقائق والمبادئ العلمية الجغرافية مثل نظرية دوران الأرض حول الشمس، وقياس محيط الكرة الأرضية.
التاريخ
تمكن المؤرخ المصري "مانيتون" من كتابة تاريخ مصر القديم باللغة اليونانية، والذي قسم تاريخ مصر الفرعونية إلى ثلاثين أسرة، وهو التقسيم المتبع في عصرنا الراهن.
الأدب
شهد الأدب ازدهاراً كبيراً، حتى أن الأدب اليوناني في هذا العصر يطلق عليه الأدب السكندري، ومن أعظم إنجازاتهم الأدبية نشر ملاحم "هوميروس" وتاريخ "هيرودوت".