مصر تحت حكم البطالمة
مقدمة
بعد الانتصارات التي حققها الإسكندر الأكبر على الفرس في آسيا الصغرى وسوريا وفلسطين، جعل من مصر هدفاً له لاستكمال إخضاع الولايات الفارسية لحكمه؛ وذلك في سبيل تكوين الإمبراطورية المقدونية، ثم تقدم بجيشه إلى مصر ونجح في السيطرة عليها دون قتال عام ۳۳۲ قبل الميلاد.
ولإرضاء المصريين القدماء قام الإسكندر الأكبر بالآتي:
- أظهر ولاءه للمعبودات المصرية وعلى رأسها «آمون».
- عامل المصريين معاملة حسنة.
- أبقى على النظم الإدارية المصرية.
وكان من أهم أعماله بناء الإسكندرية؛ حيث وقع اختياره على قرية مصرية قديمة تسمى (راقودة) تقابلها جزيرة صغيرة في البحر تسمى (فاروس) لإقامة مدينة جديدة لکی :
- تحمل اسمه مثل عدة مدن أخرى أسسها.
- تكون مركزاً لنشر الحضارة الإغريقية في العالم.
- تكون قاعدة بحرية؛ لتدعيم سيطرته على البحر المتوسط.
وفاة الإسكندر
وبعد تخطيطه لبناء مدينة الإسكندرية غادر الإسكندر مصر عام ۳۳۱ قبل الميلاد متجهاً إلى الشرق، لحرب الفرس حيث انتصر عليهم في العراق وإيران حتى استولى على كل أملاكهم، وتوغل في القارة الآسيوية حتى وصل إلى حدود الهند، ولكنه توفي عام ۳۲۳ قبل الميلاد، تاركاً وراءه مملكة كبيرة مترامية الأطراف.
تأسيس دولة البطالمة في مصر
بعد وفاة الإسكندر لم يكن له وريث للعرش، فاجتمع قادة جيشه في بابل وتقاسموا الإمبراطورية المقدونية فيما بينهم فيما يعرف "بمؤتمر بابل" عام ۳۲۳ قبل الميلاد، فكانت مصر من نصیب "بطلمیوس بن لاجوس" الذي أعلن نفسه ملكاً عليها عام ٣٠٥ قبل الميلاد، وبدأت مصر في عهد جديد أطلق عليه دولة البطالمة وقد قامت بها حضارة تجمع بين المصرية القديمة واليونانية عرفت باسم الحضارة الهلينستية، وهي ما كان يطمح إليها الإسكندر الأكبر؛ حيث كان يهدف إلى تكوين حضارة جديدة تجمع بين مزايا الحضارات الشرقية العريقة والحضارات اليونانية، ولتحقيق ذلك عمل على فتح أبواب الشرق على مصراعيها أمام اليونان للإقامة بها، كما أقام بعض المدن الجديدة کالإسكندرية في مصر وغيرها لتصبح مراكز لنمو تلك الحضارة الجديدة، ولتعمل على نشرها في كل مكان، وقد سميت باسم "الحضارة الهلينستية" وقد أفادت هذه الحضارة من حضارات بلاد الشرق.
والآن سنتعرف على جوانب الحضارة الهلينستية بشيء من التفصيل.
جوانب الحضارة الهلينستية
أولاً - الحياة الاقتصادية
قامت النظم الاقتصادية والمالية في مصر على أهداف وضعها البطالمة لتكوين دولة قوية قادرة على أن تلعب دوراً مؤثراً في سياسات العالم، وهذا يتطلب إقامة اقتصاد قوی، فطبقوا نظام الاحتكار، حيث كانت الدولة تسيطر على أهم مناحي الحياة الاقتصادية.
١ - الزراعة
اهتم البطالمة بالزراعة باعتبارها الركيزة الأولى للاقتصاد المصري، ووجهوا إليها اهتماماً كبيراً.
وسائل النهوض بالزراعة في عهد البطالمة :
- إصلاح نظم الری وشق القنوات وإقامة الجسور.
- استصلاح مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية.
- استخدام وسائل الرى الحديثة مثل الساقية والطنبور.
- اتبعوا نظام الدورة الزراعية للحفاظ على جودة الأرض وخصوبتها.
- اهتموا بزراعة محصول القمح والذرة والشعير واستقدموا أنواعا جديدة من الفواكه وبخاصة العنب والتين والرمان والمشمش.
وقد قسمت الأراضي الزراعية بمصر في عهد البطالمة إلى خمسة أنواع:
أراضي الملك : وهي التي كان يمتلكها الملوك الفراعنة، ثم آلت إلى الملوك البطالمة باعتبارهم ورثة الفراعنة.
الأراضي المقدسة : وهي التي كان الملوك يمنحونها للمعابد، وهي نوعان: الأول مخصص للكهنة، والثاني مخصص للمعابد.
أراضي الإقطاعات العسكرية : اعتمد البطالمة في تكوين جيوشهم على الجنود المرتزقة من الإغريق، وقاموا بمنحهم مساحات من الأرض.
أراضي الهبات : وهي التي كان البطالمة يمنحونها لكبار موظفيهم.
أراضي المدن : وهي التي كانت الدولة تخصصها للمدن التي كانت تتمتع بوضع (المدينة اليونانية)، وهی (نوقراطيس - الإسكندرية - بطلميس).
٢ - الصناعة
كانت مصر منذ أقدم العصور موطناً للعديد من الصناعات المهمة، وقد احتكر البطالمة الصناعة أيضاً.
أهم الصناعات بمصر القديمة في عصر البطالمة :
- الزيوت.
- الفخار والزجاج.
- التعدين وقطع الأحجار.
- المنسوجات.
- الجلود.
- الورق من نبات البردی.
وذلك إلى جانب العديد من الصناعات اليدوية الأخرى التي انتشرت في ربوع مصر ومنها صناعة الزجاج، النبيذ، العطور والحلی.
٣ - التجارة
ساعد النشاط الزراعي والصناعي علی رواج التجارة، والتي اهتم بها البطالمة اهتماماً كبيراً، وقد شجعهم على ذلك موقع مصر الجغرافي في قلب العالم القديم، وولع اليونان بالنواحی التجارية فأنشأوا الموانئ على ساحل البحر المتوسط والأحمر وأقاموا ترسانات لبناء السفن، وبنوا المنارات لإرشادها ونظموا شئون الجمارك وسكوا العملة لتسهيل التبادل التجاري.
أما مجال التجارة الداخلية فقد أحكمت الدولة رقابتها على الأسواق، وتدخلت في تحديد الأسعار، وبخاصة تلك التي كانت تخضع لسياسة الاحتكار.
وأما التجارة الخارجية فقد انتعشت نتيجة إنشاء البطالمة عدة موانئ على البحر الأحمر والمتوسط وأصبحت الإسكندرية أكبر الموانئ في العالم القديم.