عوامل قيام الحضارات وازدهارها
مقدمة
في هذه المقالة سنتعرف على عوامل قيام حضارات العالم القديم التي ساعدت على ازدهار الحضارات القديمة، والتي تعتبر المقومات الأساسية لقيام أي حضارة حتى في عصرنا الحديث، بالإضافة إلى أنها تحدد مصير الشعوب؛ حيث إن الاهتمام بهذه العوامل والاستغلال الأمثل لها يحقق النهوض والازدهار لأصحابها المكافحين.
عوامل قيام الحضارات
١ - وجود الأنهار مثل: « نهر النيل في مصر ، دجلة والفرات في العراق » حيث إن وجود الأنهار يساعد على قيام عملية الزراعة وبالتالي ينتج عنه الاستقرار.
٢ - الموقع الجغرافي المتوسط للعالم القديم بالإضافة إلى اعتدال المناخ وملاءمته للنشاط الإنسانی.
٣ - وفرة الثروات المعدنية من صخور ومعادن بالإضافة إلى النباتات والحيوانات مما أتاح الفرصة لاستثمارها.
٤ - عدم وجود حواجز أو موانع طبيعية بين أجزائها مما عزز الالتقاء والتواصل بين الشعوب والحضارات.
٥ - كفاح الإنسان وتكيفه مع بيئته الجغرافية ومجهوداته العظيمة في بناء الحضارة الإنسانية.
ولما كانت مصر صاحبة أقدم حضارات المنطقة العربية خاصة وحضارات العالم عامة، فإننا سنتخذها نموذجاً في دراستنا لعوامل قيام الحضارة بها، فقد وهبها الله سبحانه وتعالی نیلاً فیاضاً ساهم في وحدتها وتماسكها، وموقعاً متميزاً ساعد على التواصل بين جيرانها، وحدوداً طبيعية آمنة كانت تقيها شر الأعداء، ومناخاً معتدلاً، وطبيعة غنية بمواردها المتنوعة، و إنساناً محباً لوطنه مدافعاً عنه واستطاع أن يستثمر كل ما هيأه الله له في قيام حضارة عظيمة أبهرت العالم.
والآن سنتعرف على هذه العوامل بشيء من التفصيل
أولاً - العوامل الطبيعية
١ - نهر النيل العظيم
يرجع سر عظمة هذا النهر إلى تكوينه الطبيعي، والذي ينحدر من الجنوب إلى الشمال حاملاً مصدر الخصوبة : الماء والطمی مما ساعد على تحول مصر إلى جنة خضراء صالحة لإنبات الزرع، وقد اقترن هذا العامل بجهد المصريين القدماء فعملوا على استغلال مياهه؛ فأقاموا المقاييس، وشقوا الترع، وشيدوا السدود، وبنوا الجسور.
ولم يقف دور النيل عند هذا الحد فقد استفاد منه المصريون قيماً كثيرة مثل:
١ - الوحدة والتضامن : فقد كان فيضان النيل سبباً في توحد جهود المصريين لإقامة الجسور وحراسة میاه الفيضان، فعاشوا شعباً واحداً عبر التاريخ.
٢ - التكافل والتكامل : تبادل المصريون المحاصيل، ونشطت التجارة الداخلية بين الشمال والجنوب.
٣ - التواصل فيما بينهم ومع الآخرين : ساعد وجود النيل المصريين على الاهتمام ببناء السفن والتي يحملها تياره نحو الشمال، وتدفعها الرياح الشمالية السائدة نحو الجنوب، فساعد ذلك على اتصال المصريين وتواصلهم وتماسكهم مع بعضهم بعضاً، ونشر حضارتهم في البلاد المجاورة، فكان التأثير والتأثر الذي تميزت به الحضارة المصرية القديمة.
وقد أدرك المصريون القدماء أن أمن مصر القومي يكمن في المحافظة على منابع النيل، لذلك قاموا بالعديد من الحملات الأمنية لهذه المناطق، بالإضافة إلى إقامة علاقات تجارية وثقافية وروحية مع دول حوض النيل.
لذلك وجد المصريون القدماء فى نيلهم المعلم، ومصدر الحياة الأولى؛ فعظموه وقدسوه، وأقاموا له الاحتفالات والأعياد.
٢ - الموقع الجغرافي المتميز
تقع مصر عند ملتقى قارات ثلاث، هي آسیا وإفريقيا وأوروبا، مما سهل لها الاتصال والتأثير والتأثر بالحضارات التي قامت في هذه القارات، وهي تطل على بحرين مهمين هما البحر الأحمر والبحر المتوسط، ومصر بمثابة القلب من العالم القديم، وحلقة الاتصال بين أقطاره وشعوبه.
وقد تحدث جمال حمدان في كتابه (شخصية مصر) في الجزء الثاني عن موقع مصر المتميز فقال:
( مصر حجر الزاوية في الثلاثية القارية التي يتألف منها العالم القديم ، والوحيدة التي تلتقي فيها قارتان وتقترب منها ثالثة، فهي بوابة مشتركة لإفريقيا و آسيا، وهي المدخل الحقيقي لإفريقيا من الشمال، والنيل هو النهر الوحيد الذی بفضله تصبح مصر المدخل الوحيد إلى قلب القارة، ولها طريقان لآسيا لا يقلان أهمية وخطراً ، فشمالاً هناك طريق (سوريا - العراق) بكل ثقله وتفرعاته وجنوباً هناك طريق (غرب شبه الجزيرة العربية) الذي يطوقها جميعاً حتى الخليج، ومصر الوحيدة التي يقترب عندها أطول بحرين هما البحر الأحمر والبحر المتوسط).
٣ - الثروات المعدنية (الصخور والمعادن)
وهب الله سبحانه وتعالى مصر المعادن كالذهب والنحاس والحديد وغيرها، کما وهبها الصخور المتنوعة من جرانيت ورخام وأحجار كريمة، ومن هذه الصخور والمعادن صنع المصريون القدماء أدواتهم، وبنوا أهراماتهم، ونحتوا تماثيلهم، وصنعوا حليهم البديعة، فكانت الصخور والمعادن بالنسبة للمصري القديم أغلى الثروات، والتي ساعدت على قيام الحضارة المصرية القديمة (الفرعونية).
٤ - الحدود الطبيعية
تتمتع مصر بحدود طبيعية آمنة، صحراوات في الشرق والغرب، وجنادل «کتل صخرية ضخمة» في الجنوب، والبحر المتوسط في الشمال، وكلها تمثل دروعاً واقية ساعدت المصريين على الدفاع عن بلادهم ومقاومة المعتدين والطامعين في خيراتهم، وحققت لهم قدراً من الأمن والاستقرار.
٥ - المناخ المعتدل
وهب الله (سبحانه وتعالی) مصرنا العزيزة مناخاً معتدلاً وشمساً مشرقة، وسماءاً صافية، فساعد ذلك على نشاط الإنسان، كما أن مناخ مصر الجاف ساعد على حماية آثارها القديمة، كذلك ساعد اختلاف درجة حرارة الفصول على تنويع الغلات مما أدى إلى الرخاء ورغد العيش.
ثانيا - العوامل البشرية
بذل المصريون القدماء مجهوداً عظيماً من أجل تسخير كل ما وهبه الله لهم من موارد ومناخ لمصلحتهم، وأنفقوا الكثير من الوقت والجهد لإنتاج تلك الحضارة العظيمة، فقد كان الجهاد والكفاح هما حجرا الأساس اللذان قامت عليهما الحضارة المصرية ومن ثم لم تكن مصر " هبة النيل" فحسب كما ذكر هيرودوت، بل "مصر هبة النيل والمصريين" ؛ إذ أنه لولا كفاح المصريين واجتهادهم لما ظهرت هذه الحضارة العظيمة التي أثرت في حضارات العالم القديم.