الحياة الثقافية والفكرية في الحضارة المصرية القديمة
مقدمة
وهب الله سبحانه وتعالى مصر إمكانات طبيعية وطاقات بشرية مبدعة، كان لها أثر كبير في تقدمها الحضاري في المجال الثقافي والفكري، وفجرت طاقاتها فنبغ أبناءها في العلوم المختلفة، وأبدعوا في الفنون والعمارة وأذهلوا العالم بما قدموه من عطاء فكري وأدبي.
وسنتعرف في هذا الموضوع على الجوانب المضيئة من الحياة الثقافية في مصر الفرعونية ولنبدأ بالكتابة.
أولاً الكتابة المصرية القديمة
توصل المصري القديم إلى اختراع الكتابة قبل عصر الأسرات واهتدى إلى تسجيل تقدمه البشري في كل المجالات، وكان يتكلم لغة واحدة، و إن تباينت لهجاتها.
مراحل تطور الكتابة المصرية القديمة
الكتابة الهيروغليفية (الخط المقدس)
تتكون الكتابة من العديد من الصور لظواهر طبيعية وكائنات حية ليعبر المصري القديم من خلالها عن المعاني التي يريدها واستخدمت الهيروغليفية في النقش على جدران المعابد والمقابر وتسجيل النصوص الدينية.
الكتابة الهيراطيقية (خط رجال الدين)
هي نوع مبسط من الكتابة الهيروغليفية ابتدعها الكهنة بسبب صعوبة نقش ورسم الحروف والرموز الهيروغليفية؛ ولتوفير السرعة في الكتابة والتدوين ونشر المعارف والعلوم بطريقة سهلة، واستخدمت الكتابة الهيراطيقية في النصوص الأدبية وتدوين الوثائق على أوراق البردي وقطع الخشب.
الكتابة الديموطيقية (الكتابة الشعبية)
وهي استعمال اللغة الدارجة العامية في الكتابة في العصر المتأخر وتستخدم في تدوين كافة نواحي الحياة اليومية، واستمرت في الاستعمال طوال العصر اليوناني والرومانی.
الكتابة القبطية
استخدمت بعد انتشار المسيحية في مصر في القرن الثاني الميلادي، وهي مكتوبة بحروف إغريقية مضافاً إليها حروفاً من الديموطيقية.
أدوات الكتابة
استخدم المصري القديم الحجر والمعدن والخزف؛ للكتابة ثم استعمل قراطيس من ورق البردی لیکتب عليها بمداد أسود أو أحمر مستخدماً قلماً من البوص، ولم تعرف مصر القديمة الكتب بمعناها الحالي وإنما عرفت لفائف البردي التي تحتوی على إنتاج مصر الحضاري.
ثانياً مراكز العلم في مصر القديمة
أهمية العلم والبحث العلمي
أنزل المصريون القدماء العلم والعلماء منزلة عالية، وكان تقدير العالم لا يعلوه أحد بین طبقات الشعب كافة؛ حيث كانت الدولة تعامله معاملة خاصة؛ فكانت تعفيه من الضرائب، وكان المعلم يلقى احتراماً كبيراً من جانب طلابه، والطالب يجتهد ليصل إلى مكانة عالية في المجتمع مثل معلمه ليتخلص من واقعه وإيجاد مكانة له بين علية القوم.
وكان للكتابة والقراءة في مصر القديمة مكانة كبيرة، وهی توصية الآباء لأبنائهم عند التحاقهم بالمدارس.
ولقد صاحب اختراع الكتابة في مصر القديمة، اهتمام
المصري القديم بالتعليم فاتجه إلى مراكز العلم المختلفة ليتلقى العلم منها.
مراكز العلم في مصر القديمة
١ - المدارس
ظهرت في أواخر الدولة القديمة بعض المدارس المتخصصة في العلوم المختلفة كالهندسة والطب ومدارس لتعليم الدين في المعابد ومدارس عسكرية ملحقة بالجيش.
كما كانت تدرس اللغة والتاريخ والجغرافيا وأصول الحساب والهندسة والأدب.
٢ - مراكز البحث العلمي
تعد أهم هذه المراكز جامعة ( أون هليوبوليس ) وهي أول مرکز علمی فی التاریخ خاصة في مجالات الدين والهندسة والطب وعلم الفلك، وهي التي وضعت التقويم الشمسي الذي يعمل به العالم، ولها شهرة واسعة فكان يفد إليها طلاب العلم من جميع أنحاء العالم، وكان يطلق عليها "بيوت الحياة" ويعود إليها الفضل في الحفاظ على اللغة المصرية والهوية في نهايات الأسرات الفرعونية.
٣ - المكتبات
تضم لفائف البردي التي تحوي الإنجاز الحضاري لمصر وانتشرت المكتبات في القصور والمعابد والمؤسسات التعليمية وأشهر هذه المكتبات مكتبة معبد الرامسيوم.
ثالثاً الأدب
يعتبر الأدب مرآة لحياة الشعوب، وتعبيراً صادقاً عن أفكارها، ولقد ترك المصري القديم تراثاً أدبياً عظيماً يرجع إلى عصر بناة الأهرام وقد سبقوا به الأدب الإغريقي بأكثر من ٢٥ قرناً.
ألوان الأدب
١ - الأدب الديني
يتناول الأدب الديني الموضوعات الخاصة بالمعبودات والبعث والخلود والحساب وأمور الآخرة والأناشيد والأساطير الدينية مثل قصة إيزيس وأوزوريس.
تعالوا نتعرف نماذج من الأدب الديني:
نصوص الأهرام : عبارة عن مجموعة من التعاويذ والشعائر الدينية تم تدوينها على الأهرام في عصر الدولة القديمة.
نصوص التوابيت : وهي كتابات دينية دونت على التوابيت الخشبية وانتشرت في أوائل الدولة الوسطى.
كتاب الموتى : وهو مجموعة من التعاويذ والأدعية الدينية تدون في أوراق البردى؛ لتوضع مع المتوفي في الكفن أو في التابوت، وظهرت في عصر الدولة الحديثة.
٢ - أدب القصة والرواية
تناولت القصة في مصر القديمة قصصاً حقيقية وخرافية وتنوعت أهدافها، ومن القصص الحقيقية قصة سنوهی وقصة القروي الفصيح، ومن القصص الخيالية قصة الأخوين وقصة الملاح التائه التي أثرت في رواية (الكونت دي مونت كريستو) للأديب الفرنسي الشهير ألكسندر دوماس.
وقد سبقت مصر بلاد الإغريق في معرفة الدراما وظهرت في مصر أول دراما تمثيلية عام ٣٤٠٠ قبل الميلاد.
٣ - أدب الحكمة والنصيحة
يتناول نقل التراث الروحي والتقاليد وقواعد الحياة الشخصية والاجتماعية من جيل إلى جيل من خلال وصايا وحكم ونصائح ومن أهم حکماء مصر القديمة الحکیم بتاح حتب في الدولة القديمة، والحکیم آني في عصر الدولة الحديثة.
يقول الحكيم بتاح حتب متحدثاً عن غرور العلم
《 لا يدخلنك الغرور بسبب علمك ولا تتعال وتنتفخ أوداجك لأنك رجل عالم، لأنه ما من أحد يستطيع الوصول إلى آخر حدود العلم ولا يوجد أحد يبلغ الكمال في إجادته 》
٤ - الأدب السياسي
ويتناول آراء الأدباء في الوضع السياسي وأعمال الملك، ففي عصور العزة والنصر كان الملك موضع مدح وتقدير من الشعراء والأدباء، وفي عصور الظلم والفوضى لا يغفل الأدباء دورهم في مواجهة تلك المظالم ناصحين للملك تارة ومهاجمين ضعفه واستكانته تارة أخرى.
يقول أحد الحكماء للملك :
《 إن ما تصنعه في البلاد هو النزاع وصوت القلاقل. لقد نطقت زوراً وبهتاناً، فهل فعلت هذا لتشدد علينا الأمور؟ إن القيادة والفطنة معك ولكنك لا تنتفع بها، فالفوضى ضاربة أطناب البلاد طولها وعرضها. تتغذى أذنابك بالأكاذيب التي تتلى عليك فتصدقها 》
كما قال أيضاً أحد الحكماء :
《 طوبى للذي يحمي البلاد ويوسع حدودها، الذي يتغلب على البلاد الأجنبية بتاجه ويضم الأرضين بذراعه، ويطلق السهم بدون أن يشد القوس 》