الحياة الدينية في الحضارة المصرية القديمة
مقدمة
كما هو معروف لنا جميعاً أن الدين قديم جداً بقدم البشر؛ حيث أنه كان موجوداً في كل قرية وعند كل الأمم والحضارات، وبالأخص الحضارة المصرية القديمة.
وقد عرف المصريون منذ فجر التاريخ بتدينهم وتمسكهم بالتعاليم الدينية بل وأصبحت صفة تميزهم عن غيرهم من الشعوب منذ أقدم العصور؛ لذا وصفهم المؤرخون أمثال هيرودوت بأنهم (أتقي الأمم)، فهيا بنا نتعرف الحياة الدينية عند المصري القديم ولنبدأ بخصائص الديانة المصرية القديمة.
خصائص الديانة المصرية القديمة
أولاً تعدد المعبودات
عبد المصريون القدماء الكائنات الحية، وقوى الطبيعة إما خوفاً منها مثل التماسيح والأسود أو لفائدة ترجى منها مثل الشمس والقمر، أو إعجاباً بها مثل البقرة وسموها (حتحور)، ولم يعبد المصری القديم هذه الموجودات لذاتها، وإنما على اعتبار أنها تمثل رموزاً أرضية لقوى خفية لا تعيش على الأرض، ويمكن تقسيم المعبودات المصرية القديمة إلى نوعين :
معبودات محلية
حيث كان لكل إقليم أو مدينة معبودها يقدم له القرابين وتبني له المعابد ويلتف حوله الناس ولقد بقيت حتى نهاية الحضارة المصرية القديمة.
معبودات عامة
انتشرت عبادتها في كل أرجاء مصر وتأثر بها العالم القديم مثل رع وأوزوريس وآمون.
وقد أدت روح التسامح الديني التي تميز بها المصري القديم إلى تعدد المعبودات، لذا احترم الديانات الأخرى.
وقد انتقلت بعض المعبودات المصرية إلى فينيقيا وبلاد اليونان مثل إيزيس؛ كنوع من التواصل الحضاري.
ثانياً الإيمان بالبعث والخلود
آمن المصريون القدماء بخلود الروح والبعث، واعتبروا الموت نهاية مرحلة مؤقتة، وبداية مرحلة حياة خالدة تعود فيها الروح مرة أخرى إلى الجسد؛ ليحيا إلى الأبد، وكان له أثر كبير في حياة المصريين القدماء.
أثر الإيمان بالبعث والخلود
أدى اهتمام المصريين القدماء بالبعث والخلود إلى :
المقابر الحصينة
حيث بنى المصريون القدماء مقابر حصينة وأهرامات ضخمة لتجنب السرقة أو العبث بالموتى.
التحنيط
حيث كانوا يقومون بتحنيط الجسد للحفاظ عليه لتتعرف عليه الروح عند البعث.
الأثاث الجنائزي
حيث كان يتم تزويد الميت بالضروریات من أدوات وأثاث؛ لاستعمالها بعد البعث.
ثالثاً الإيمان بالحساب بعد الموت
اعتقد المصري القديم أنه سينتقل إلى عالم آخر بعد وفاته وسيبعث فيه من جديد وهناك يقف المتوفی أمام محكمة إلهية تكون مهمتها الحكم عليه، وتتكون هيئة المحكمة من ٤٢ قاضياً يمثلون أقاليم مصر، ويترأسها معبود الموتى أوزوريس، وتتخذ هيئة المحكمة لها ميزاناً له كفة لوزن القلب في مقابل الريشة بكفة رمز العدالة؛ فإن رجحت كفة القلب عن رمز العدالة فهذا يعني أن صاحب القلب شرير فيسلم نفسه للكائن المفترس ليقطع جسده، أما إذا رجحت كفة رمز العدالة فإن هذا يعني أن المتوفي كان رجلاً عادلاً طيباً في حياته فيدخل الجنة.
رابعاً السمو إلى التوحيد
العبادة الأتونية
نادي الملك أمنحوتب الرابع بعبادة الإله الواحد الذي يجب أن يعبده الناس جميعاً، وهو (آتون) لا شريك له ولا محل لتعدد الآلهة بما فيهم آمون، وجعل قرص الشمس رمزاً له وأكمل الملك ثورته الدينية؛ فغير اسمه من أمنحوتب الرابع إلى إخناتون (المخلص لآتون)، ونقل العاصمة من
طيبة إلى أخيتاتون في (تل العمارنة) حالياً بعيداً عن معارضيه.
عارض دعوة إخناتون كهنة آمون، وبعض رجال الدولة؛ لأنهم أيقنوا أنه سيفقدهم سلطانهم وجاههم في حالة نجاحه؛ فكان الصدام معهم، فانشغل الملك الشاب عن مقدرات البلاد، وأهمل شئون السياسة والحرب؛ لنشر دعوته ومواجهة خصومه فتعرضت الإمبراطورية المصرية في سوريا إلى التفكك.
لم تدم دعوة إخناتون طويلاً، وبدأت تسقط تدريجياً وقام أنصار كهنة آمون بالقضاء على عبادة آتون نهائياً وحطموا معابده وعاصمته أخيتاتون.
وبالتالي انهارت دعوة إخناتون رغم صدق نواياه بسبب :
١ - محاولة أنصار الملك فرض الدعوة بالقوة، وليس بالتدرج والحكمة.
٢ - قيام كهنة آمون بثورة مضادة قضت بها على مذهب إخناتون، وأعادوا الأمور إلى سيرتها الأولى.
وقد اختلفت الآراء حول إخناتون بين المعارضة الشديدة والتأييد المبالغ فيه؛ حيث كان :
رأي المؤيدين
يمجد إخناتون تمجيداً كاد يرفعه إلى درجة الأنبياء لأن هذا الملك الشاب استطاع في ذلك الوقت المبكر أن يدعوا إلى ما يقرب الوحدانية وكان لأناشيده وآرائه أثر على من جاء بعده من الشعوب.
رأي المعارضين
يحمل البعض على إخناتون حملات منكرة ويتهمه بالضعف وتضييع الإمبراطورية، بل وينكر عليه أناشيده أو آرائه ويحاول الحط من قيمته بإلقاء ظلال من الشك على أخلاقه.
أثر الدين في أخلاق المصريين القدماء
كانت التعاليم الدينية التي تركها لنا حكماء مصر القديمة؛ بمثابة ضمير الأمة، كما كانت دستور العلاقات الإنسانية والاجتماعية، وهي تعاليم تحض على الفضيلة ونبذ الرذيلة وتدعوا إلى التحلي بالصفات الحميدة.
بعض المثل والتعاليم الدينية لحكماء مصر القديمة (الفرعونية)
《 لا تنشر الرعب بين الناس فهذا أمر يعاقب عليه الرب 》
《 لا توقع الفزع في قلوب البشر لئلا يضربك الله بعصا انتقامه 》
《 اسمع يا بني : إن الثراء لا يأتي وحده إنه يفد على من يعمل له، فإذا عملت له وسعيت ورائه فإن الرب يمنحك إياه 》
《 إذا أصبحت عظيماً بعد أن كنت وضيعاً وأصبحت غنياً بعد أن كنت فقيراً فلا تنس ما كنت عليه في الماضي، ولا تفخر بثروتك وتستكبر فإنك لست أحسن حالاً من رفاقك الذين حل بهم الفقر 》
《 لا تفاخر وتزهو بقوتك واحذر النزاع والشقاق فالمرء لا يعلم ما يحدث عندما ينزل الله العقاب 》
《 لا تكن شريراً فمن الخير أن تكون رحيماً عطوفاً، خلد ذكراك عن طريق حب الناس لك؛ فيحمد الله الناس من أجلك ويمتدح الناس طيبة قلبك، ويتمنون لك الصحة والعافية 》
《 لا تتردد على محال الخمور احتراساً من عواقبها الوخيمة 》
《 إذا شئت أن تعيش من مال الظلم أو تغتني منه، نزع الله نعمته منك وجعلك فقيراً 》
《 بقدر الكد تكتسب الثروة، فمن جد في طلبها نجح الله مسعاه 》.