ملامح الحياة الدينية والفكرية والفنية والرياضية لبلاد اليونان القديمة
مقدمة
لقد ساعد الموقع الجغرافي لبلاد اليونان "الإغريق" على التواصل مع حضارات الشرق القديم ونشرها في باقي أنحاء القارة الأوروبية وخاصة أنها كانت قريبة من منبع حضارات الشرق (مصر القديمة، فينيقيا، بلاد العراق القديم) وكانت جزيرتا كريت وقبرص بمثابة المعبر الرئيسي لهذا التواصل الحضاري، فنشأت في هذه الجزر أقدم حضارات المنطقة، ثم انتقلت إلى بلاد اليونان "الإغريق" التي كان لها أكبر الأثر في قيام الحضارات الغربية بعد ذلك.
وقد تناولنا في الموضوع السابق الحضارة اليونانية التي كانت متمثلة في جزر الكيكلاديس وجزيرة كريت وطروادة، ثم الحضارة الموكينية وحضارة مدينة إسبرطة، ثم حضارة مدينة أثينا. ثم ذكرنا بعد ذلك ملامح من الحياة في اليونان القديمة من حيث؛ الحياة الاقتصادية والحياة السياسية.
وفي هذا الموضوع سنكمل ملامح الحياة في الحضارة اليونانية.
ملامح الحياة في الحضارة اليونانية القديمة
ثالثاً - الحياة الدينية في بلاد اليونان
بالرغم من اختلاف النظم السياسية والاجتماعية بين الكثير من المدن اليونانية، إلا أن القاسم المشترك بينها كان في الحياة الدينية، وآمن اليونانيون بقوى الطبيعة وزعموا أن لكل منها إلهاً يوجهها، وكانوا يعتقدون أن أسرة الآلهة تقيم فوق قمة جبل الأوليمبوس وجعلوها على صورة البشر وكان أهم هذه الآلهة هو «زیوس» كبير الآلهة.
كما عرف اليونانيون طقوساً دينية متعددة كالمواكب الجنائزية والأناشيد والقرابين، كما اعتقدوا في السحر واستعانوا بالموسيقى كعنصر مهم في تلك الطقوس.
رابعاً - الحياة الفكرية في بلاد اليونان
ا - الفلسفة
اشتق لفظ "فلسفة" من الكلمة اليونانية "philosophia" وتتكون من مقطعين؛ المقطع الأول "philo" وتعني حب، والمقطع الثاني "sophia" وتعني الحكمة، فيكون معنى لفظ الفلسفة هو حب الحكمة.
وتعتبر الفلسفة اليونانية من أعظم ما تركه اليونانيون للفكر الإنساني، فقد أعملوا عقولهم في تحليل مشكلات الحياة والتعرف على أسرار الكون ومن أشهر فلاسفة اليونان :
سقراط ( ٤٦٩ - ٣٩٩ قبل الميلاد ) : حيث تقوم فلسفته على إعمال العقل في کل شیء.
أفلاطون ( ٤٢٧ - ٣٤٧ قبل الميلاد ) : تتسم مدرسة أفلاطون بالطابع العلمي في التفكير.
أرسطو ( ٣٨٤ - ٣٢٢ قبل الميلاد ) : أسس مدرسة تعتمد على الفكر التاريخي وعلم الأحياء، وقد أطلق عليه العرب المعلم الأول؛ لأنه بحث في كثير من العلوم إلى جانب الفلسفة.
بالإضافة إلى كثير من الفلاسفة المتميزين مثل :
- الفيلسوف طاليس الملطي ( ٦٢٠ - ٥٤٦ قبل الميلاد ).
- الفيلسوف أناكسيماندر ( ٦١٠ - ٥٤٦ قبل الميلاد ).
- الفيلسوف فيثاغورث ( ٥٧٠ - ٤٩٥ قبل الميلاد ).
- الفيلسوف بارمينيدس ( ٥٦٠ - ٥١٠ قبل الميلاد ).
- الفيلسوف أناكساغوراس ( ٥٠٠ - ٤٢٨ قبل الميلاد ).
- الفيلسوف أمبادوقليس ( ٤٩٠ - ٤٣٠ قبل الميلاد ).
- الفيلسوف زينو ( ٤٩٠ - ٤٣٠ قبل الميلاد ).
من أقوال سقراط
《 إن البحث عن الحقيقة والحق والجمال والخير أسمى الغايات، وأن على المرء ألا يخشى أحداً مادام يتبع سبيل العقل والضمير.
٢ - التاريخ
تطورت الكتابة التاريخية من شعر الملاحم المعتمد على الأسطورة إلى الكتابة التاريخية المعتمدة على الحقائق وتحليلها وقد ظهر مؤرخون كتبوا تاريخ الإغريق ومن أشهر هؤلاء المؤرخين :
هيرودوت : الذي لقب بأبي التاريخ.
بوليبيوس : أحد أعظم المؤرخين في القرن الثاني قبل الميلاد وأشهر ما كتبه کتاب ( في التاريخ العام) وكتب كثيراً عن مصر وخاصة في العصر البطلمی.
استرابون : زار مصر بين عامي ۲۵ - ۲۰ قبل الميلاد، وألف كتابه الشهير (الجغرافيا) ويتكون من سبعة عشر جزءاً، وتحدث عن مصر في الجزء السابع عشر منه.
٣ - الآداب
تميز التراث الأدبي اليوناني بالثراء والتنوع ويعد الشعر أهم ما يمثل الأدب عند اليونان، وانقسم إلى شعر الملاحم مثل: ملحمة الإلياذة والأوديسيا للشاعر الشهير «هوميروس» صاحب الفضل في نشر التراث الثقافي البطولي لليونان قديماً، والشعر الغنائي والذي يتضمن الحماس والغزل والرثاء ومن أشهر شعرائه «أرخيلوخس».
٤ - العلوم
استمد اليونان الكثير من أصول العلم من الحضارة المصرية القديمة، ونجحوا في تحويل الكثير من تجارب وخبرات المصريين إلى نظريات علمية، وتقدمت العلوم كثيراً في العصر الذهبي لأثينا خاصة في مجال الطب، حيث توصل اليونان إلى أن المخ هو المتحكم في كل أعضاء الجسم، وهو مركز الإحساس، وعرفوا أن القلب هو الذي يضخ الدم في الشرايين، ومن أشهر أطباء الإغريق أبوقراط وكان يطلق عليه أبو الطب.
الأبجدية اليونانية
خرجت الأبجدية اليونانية من رحم الأبجدية الفينيقية، والتي تكونت من ٢٢ حرفاً بالإضافة إلى بعض الرموز التي تضاف إلى الأحرف، لكن وجه الاختلاف بين الأبجدية اليونانية والأبجديات القديمة هي أن كل علامة فيها تمثل حرفاً منفصلاً وليس لفظاً موسيقياً متصلاً.
سك العملات المعدنية ( ٥٦٠ - ٥٤٦ ) قبل الميلاد
من الجدير بالذكر أن اليونانيين القدماء كانوا أول من سك العملة المعدنية في التاريخ القديم؛ لاستخدامها في عمليات البيع والشراء بصفة رسمية في عهد الملك « كرويسوس » عام ( ٥٦٠ - ٥٤٦ ) قبل الميلاد، وبالتحديد في مدينة ليديا الواقعة في آسيا الصغرى، وقد عرفت تلك العملات باسم الإلكتروم، وهي عبارة عن خليط من الذهب الخالص والفضة الخالصة، وكلها متماثلة في الحجم متحدة في شكل الخاتم الموجود عليها، ومع مرور الوقت أصبح لكل مدينة عملة معدنية بعلامات ورموز خاصة بها تميزها عن غيرها من المدن.
خامساً - الحياة الفنية في بلاد اليونان
من الجدير بالذكر أن الفن الإغريقي يرجع إلى أصول شرقية حيث انتقل إلى بلاد اليونان من خلال (الآيونيوین) الذين استقروا في جزر بحر إيجه وساحل آسیا الصغرى الغربي، وكانت لهم صلات قوية بحضارات الشرق القديم "مصر وسوريا".
عاش الفنان اليوناني قريباً من الآلهة يتأمل عالمهم العلوي، وما فيه من مثل وقيم وعبر عنها في أعماله الفنية، والتي لم تكن مكرسة للمعبد فقط بل أصبحت مظهراً بدیعاً وانتشر الفن على أفاريز الأبنية وتيجان الأعمدة والملاعب والمسارح وداخل البيوت.
١ - العمارة
تعد المعابد من أهم مظاهر النشاط المعماري اليونانی، وكانت بسيطة في بداية الأمر، وأخذت تتطور حتى وصلت إلى مستوى رفيع، ومن أشهر المعابد معبد «البارثنون» الذي أقامه الزعيم «برکلیس» على قمة «الأكروبول» في عام ٤٤٧ قبل الميلاد، لعبادة الإلهة أثينا والذي يعد قمة تطور العمارة اليونانية.
ومن الجدير بالذكر أن معبد البارثنون استخدم لعبادة ثلاثة أديان؛ ففي عهد المسيحية استبدلت العذراء أثينا بالعذراء مريم وأصبح البارثنون في أواخر القرن الخامس الميلادي أول كنيسة مسيحية بيزنطية ثم كاتدرائية كاثوليكية تحت النفوذ الفرنسي ثم مسجداً تحت الحكم الإسلامي التركي عام ١٤٥٨ للميلاد وهو الآن متحف مفتوح للدارسين والمستمتعين بالفنون.
٢ - النحت
برع اليونانيون القدماء في النحت ويعد «فيدياس» عميد النحاتين في العالم اليوناني، ومن أعظم إنجازاته تمثال "زيوس" الذي يعد من إحدى عجائب الدنيا السبع.
سادساً - الحياة الرياضية في بلاد اليونان
الألعاب الأوليمبية
أقام اليونان مباريات رياضية واسعة النطاق تشترك فيها كل المدن اليونانية وذلك في مدينة أوليمبيا، ومن ثم فقد سميت تلك المباريات بالألعاب الأوليمبية، وقد اكتسبت مع مرور الزمن أهمية تاريخية، وأقيمت أول دورة للألعاب الأوليمبية عام ٧٧٦ قبل الميلاد.
ظلت الدورات الأوليمبية تقام لمدة تزيد على ألف عام حتى أوقفها أحد أباطرة الرومان، ثم ما لبثت أن ظهرت من جديد في نهاية القرن قبل الماضي لتشترك فيها كافة المدن.